انتصارات إسرائيل الخاسرة

انتصارات إسرائيل الخاسرة

تم نشره منذُ 3 يوم،بتاريخ: 19-11-2024 م الساعة 02:56:17 الرابط الدائم: https://newsformy.com/news-2153649.html في : اخبار سياسية    بواسطة المصدر : العربي الجديد

كانت عبارة "حقّ إسرائيل في الدفاع عن النفس" قاسماً مشتركاً في مواقف الدول المساندة لإسرائيل، رغم ما تُقدِم عليه هذه الدولة من تجاوزٍ وانتهاكٍ للحقوق المُتواضَع عليها دولياً، ومن ازدراء للالتزامات الأخلاقية والمعايير الإنسانية كلّها، في سياق ممارسة هذا "الحقّ".
يشمل "حقّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، إذاً، حقّها في تحويل مجتمع كامل مقبرةً، بحسب تصريح الناطقة باسم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) لويز ووتريدج، التي كتبت بعد زيارة غزّة: "لا يمكنك أن تعرف أين يبدأ الدمار وأين ينتهي. أنّى تدخل غزّة، فإن البيوت والمشافي والمدارس والعيادات الصحّية والمساجد والشقق والمطاعم... كلّها سوّيت بالأرض. مجتمع كامل تحوّل الآن مقبرةً". ويشمل حقّها في تنفيذ التطهير العرقي من خلال منعها عودة الفلسطينيين إلى شمال غزّة، وقطع الإمدادات الغذائية عن الباقين، أي تعريض مجتمع كامل لإمكانية حدوث مجاعة، بحسب لجنة مراجعة المجاعة التابعة للأمم المتحدة.

الحلّ الصهيوني للمشكلة اليهودية هو حلّ مستحيل. إنه سبيل إلى مشكلات لا تني تتفاقم

بقيت العبارة المذكورة الموجّه الأساس لسياسات تلك الدول إزاء ما يجري في الشرق الأوسط. وما الجمل السياسية التي فاضت من حافات تلك العبارة، لتشير إلى هول ما تقوم به آلة القتل والتدمير الإسرائيلية، سوى كلام في كلام، على ما شهدنا (ونشهد) من العقاب والانتقام الإسرائيلي المنفلت والمتواصل، طوال ما يزيد على 13 شهراً.
هكذا يعرض علينا عالم اليوم درساً أوّل يقول إن الإبادة يمكن أن تندرج في سياق الدفاع عن النفس، ودرساً ثانياً يقول إن هناك حقوقاً يحقّ لها أن تنتهك حقوقاً أخرى، استناداً إلى هُويَّة صاحب الحقّ. لا جديد تحت الشمس، ولكن ربّما كانت أيّام العالم السوداء هذه هي الأفصح في عرض هذا العيب على مستوى دولي. مع ذلك، ليس الغرض التشكّي من ازدواجية المعايير، فلا غرو في أن تبدّي الدول ما تجد أنه مصلحتها، على أيّ اعتبار أخلاقي. الغرض هو الإشارة إلى أن العيب السياسي والأخلاقي الذي يبديه الغرب حيال إسرائيل هو تعبير عن أزمة أصلية في التكوين أو الوجود الإسرائيلي نفسه، ذلك أن الحلّ الصهيوني للمشكلة اليهودية هو حلّ مستحيل، أو قل إنه سبيل إلى مشكلات لا تني تتفاقم.
الجنون الانتقامي الذي تمارسه إسرائيل ليس مُجرَّد عملية انتقام ضدّ كلّ من تجرأ على إيذائها، بل هو، في قوته واتساعه ووحشيته، وفي نجاحه في ضمان تساهل وسكوت الدول القادرة على التأثير، رسالة ترهيب موجّهة في العمق إلى المجتمعات العربية، بقدر ارتباطها بالمجتمعات التي تتعرّض للاحتقار والإبادة في فلسطين ولبنان. تقول الرسالة إن على الجميع أن يرى الحقّ الإسرائيلي مطلقاً يعلو أيّ حقّ آخر، ما يعني أن العلاقة الوحيدة الممكنة للمحيط مع إسرائيل هي ليست الخضوع التام فقط، بل الاستعداد الدائم لمزيد من الخضوع الذي لا قاع له، وفق المنظور الصهيوني الذي يقتضي لإسرائيل التوسّع الأفقي نحو المزيد من الاحتلال والضمّ، والتوسّع العمودي نحو المزيد من العنصرية.
إذا كان يمكن لإسرائيل أن تضمن خضوع الدول، بفعل موازين القوى وغلبة المصالح، وبفعل آلية عمل الدولة وقوة أجهزتها، فلا يمكنها أن تضمن خضوع المجتمعات، ولا سيّما تلك المتحرّرة من سيطرة الدولة، حال المجتمعات التي تعمل على تحطيمها اليوم. والحال أن قلّة اعتبار إسرائيل للدول المحيطة، وفرض التسويات المهينة عليها، يمهّد السبيل لبروز قوىً غير دولتية، تحتمي بمجتمع غير راضٍ عن ضياع حقوقه، ولا عن ضعف دولته وقلّة اعتبارها إزاء إسرائيل التي لا تكفّ، بفعل طبيعتها ذاتها، عن الغطرسة وممارسة التجاوزات على حقوق الآخرين.
ما تعيشه إسرائيل اليوم من جنون القوة، ليس إلا غضب القوي عسكرياً، ولكن العاجز سياسياً عن فرض قبوله. هذا ما يعيد إلى الذهن قول السياسي الفرنسي إيميل دو جيراردين (1881): "يمكنك أن تفعل كلّ شيء بحراب البنادق سوى أن تجلس عليها". الحراب الإسرائيلية التي تفعل أقصى ما يمكن للحراب أن تفعل، تبقى عاجزةً، بعد كلّ شيء، عن أن توفّر محلّاً آمناً ومستداماً لحَمَلَتها. الحروب الإسرائيلية الكثيرة السابقة التي كانت إسرائيل متفوّقة ومنتصرة فيها على الدول العربية، أفضت إلى زيادة مساحة إسرائيل وزيادة عدد سكّانها، ولكنّها لم تفضِ إلى تعزيز أمن إسرائيل. على العكس، بعد تلك الانتصارات العسكرية كلّها، مُنيت إسرائيل في 7 أكتوبر (2023)، بأقسى اختراق أمني وعسكري في تاريخها. الأمن الإسرائيلي لا يزال في حاجة إلى المزيد من المناطق العازلة، وفي حاجة، ليس إلى دعم أميركي هائل فقط، بل إلى حضور أميركي مباشر أيضاً.
تشي هذه الحقيقة بالأزمة العميقة التي تستبطن "الوجود الصهيوني"، أزمة الانغراس القسري في محيط يتبادل الرفض مع إسرائيل. وفيما يتطلّب الاندماج في المنطقة من إسرائيل، احترام حقوق الآخرين، وليس السعي الدائم لمحو وطمس هذه الحقوق، تتّجه إسرائيل في المنحى المعاكس تماماً، عبر التمادي في رفض حقوق شعوب وأبناء المحيط، والتمادي في العنصرية في الداخل.
لم تعد إسرائيل اليوم تقاتل دولاً، بل مجتمعات. لا غرابة أن تتكرّر في تقارير المنظّمات الدولية عن هذه الجريمة الإسرائيلية عبارة "مجتمع كامل"، كما ذكرنا، ذلك أن هذا "المجتمع الكامل" الذي يتعرّض للتحطيم هو العدو في المنظور الإسرائيلي، مهما كانت أشكال المقاومة التي يبديها. في مراجعة لحصيلة ما جرى في فترة ممارسة إسرائيل "حقّها في الدفاع عن النفس"، يوضّح مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أن حوالي 70% ممن قتلوا في غزّة، منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023 هم من الأطفال والنساء، وأن أكثر الأعمار وروداً هي بين خمس وتسع سنوات، وأن 80% من الضحايا قُتلوا داخل مبانٍ سكنية. ما يعني أن التدمير الإسرائيلي عشوائي، ويستهدف المجتمع الغزّي كاملاً. وفي لبنان تبيد إسرائيل، على نحو منهجي، القرى والبلدات، بعد إخلائها من السكّان بالقتل والتهجير، بغرض إنشاء منطقة عازلة.

ما تعيشه إسرائيل اليوم من جنون القوة ليس إلا غضب القوي عسكرياً، ولكن العاجز سياسياً عن فرض قبوله

تمثل هذه الحروب الانتقامية خسارةً للأطراف كلّها في الواقع. صحيح أن الخسارة الأكثر إيلاماً ومأساوية تكون على حساب المجتمعات المُستهدَفة، ولكن إسرائيل أيضاً ستبقى خاسرة مهما ألحقت بالمجتمعات من دمار وقتل. إنها لا تستطيع أن تفرض الخضوع، فليس ثمّة ممثّل سياسي "شرعي" لهذه المجتمعات، يمكنها أن تطمئن إلى خضوعه، ثمّ ضمان خضوع المجتمع من خلاله. وإسرائيل نفسها تحطّم على الدوام إمكانية نشوء ممثّل شرعي ذي اعتبار في هذه المجتمعات. كما أنه يتعذّر فرض خضوع طويل الأمد على مجتمعات كاملة. المسار الوحيد المفتوح أمام هذا النوع من الحروب هو الإبادة وتسوية القرى والمدن بالأرض، كما نشهد.
ولكن، حتى لو افترضنا أن إسرائيل استمرّت في هذا المسار الوحيد، واستطاعت إبادة المحيط العربي ومسح عمرانه، فهل يكون في ذلك انتصار لها أم خسارة؟

مشاركة الخبر: انتصارات إسرائيل الخاسرة على وسائل التواصل من نيوز فور مي

local_library إقرأ أيضاً في آخر الأخبار

اليوم العالمى للتليفزيون أقرته الأمم المتحدة تقديرا لدوره الكبير

اليوم العالمى للتليفزيون أقرته الأمم المتحدة تقديرا لدوره الكبير

منذُ 5 ساعة

يحتفل العالم اليوم باليوم العالمى للتليفزيون وهى مناسبة عالمية أقرتها الأمم المتحدة فى ذكرى إحياء أول منتدى عالمى...

جولات وزير الثقافة فى متاحف قطاع الفنون التشكيلية ما أبرز توصياته

جولات وزير الثقافة فى متاحف قطاع الفنون التشكيلية ما أبرز توصياته

منذُ 5 ساعة

في إطار حرص وزارة الثقافة على الحفاظ على التراث الفنى المصرى اجرى الدكتور أحمد هنو وزير الثقافة جولات تفقدية فى العديد...

بيع لوحة للفنان الفرنسى الشهير كلود مونيه بـ 655 مليون دولار بمزاد نيويورك

بيع لوحة للفنان الفرنسى الشهير كلود مونيه بـ 655 مليون دولار بمزاد نيو...

منذُ 5 ساعة

حققت لوحة بعنوان نيمفياس 191417 للفنان كلود مونيه مبلغ قدره 655 مليون دولار مع الرسوم من ضمن مبيعات المقتنيات الفنية لرائدة...

اكتشاف آثار قناة مائية رومانية كانت تزود دورنوفاريا بالمياه فى بريطانيا

اكتشاف آثار قناة مائية رومانية كانت تزود دورنوفاريا بالمياه فى بريطاني...

منذُ 5 ساعة

اكتشف علماء آثار من جامعة بورنموث آثار قناة دورشيستر أحد أطول المجارى المائية الرومانية القديمة فى بريطانيا...

اليونسكو تمنح حماية جديدة لمواقع التراث اللبنانى المهددة بالحرب مع إسرائيل
اليونسكو تمنح حماية جديدة لمواقع التراث اللبنانى المهددة بالحرب مع إسر...
منذُ 5 ساعة

أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونسكو 34 موقعا تاريخيا فى لبنان على قائمة الحماية المعززة...

10نصائح لخفض مستويات الكوليسترول المرتفعة وتحسين صحة القلب
10نصائح لخفض مستويات الكوليسترول المرتفعة وتحسين صحة القلب
منذُ 5 ساعة

الكولسترول عبارة عن مادة شمعية شبيهة بالدهون توجد في خلايا الجسم والدم وهو ضروري لإنتاج الهرمونات وفيتامين د ومواد مثل...

widgets إقراء أيضاً من العربي الجديد

مدربون عراقيون يمنحون كاساس مفتاح الانتصار على الأردن
لياو وموراتا كلمتا السر في انتصار ميلان على ريال مدريد
الحوثيون يرسلون رسائل إلكترونية تحذيرية لمالكي السفن الألمانية
الوكالة الوطنية للإعلام غارات إسرائيلية على بلدتي يحمر الشقيف وأرنون جنوبي لبنان وسط قصف مدفعي