مارين لوبان تبتعد عن حلم الرئاسة في فرنسا
بات طموح زعيمة اليمين الفرنسي المتطرف مارين لوبان بالرئاسة لعام 2027 مهدداً، بعد أن طالبت النيابة العامة الفرنسية في 13 الشهر الحالي بسجنها خمسة أعوام، ومنعها من تولي مناصب رسمية للمدة ذاتها، في قضية تتعلق باختلاس أموال البرلمان الأوروبي. وتواجه لوبان مع عدد من أعضاء حزبها غرامات مالية، وسط اتهامات بتأسيس وظائف وهمية للاختلاس. وفيما اعتبرت مارين لوبان هذا الإجراء محاولة "لحرمان الفرنسيين من خياراتهم"، وصف رئيس حزبها التجمع الوطني جوردان بارديلا الاتهامات بأنها "انتقام سياسي".
وبدأت القضية في العام 2015، بعد أن فتح البرلمان الأوروبي تحقيقاً في قضية الوظائف المزيفة لعدد من المساعدين ما بين 2004 و2016، وذلك بمبادرة من الاشتراكي الألماني مارتن شولتز، رئيس البرلمان الأوروبي (في ذلك الوقت)، بالاتفاق مع الاشتراكية الفرنسية كريستيان توبيرا وزيرة العدل الفرنسية في تلك المرحلة.
ووضع البرلمان الأوروبي تحت تصرف القضاء العديد من الأدلة، التي تدين مارين لوبان وحزبها بممارسة واسعة للفساد الذي وصل إلى حد وضع اليد على أموال أوروبية، من خلال وظائف لأعضاء من الحزب بهدف تمويله، وهو ما نصت عليه العديد من رسائل البريد الإلكتروني والرسائل النصية المتبادلة بين مارين لوبان ومساعديها، والتي كشف عنها في جلسات المحكمة. وقدر برلمان الاتحاد الأوروبي، الطرف المدني، الأضرار المالية التي لحقت به بنحو ثلاثة ملايين يورو، وطالب باستعادة مليونين فقط، موضحاً أنه تم سداد مليون منهم بالفعل، وهو أمر لا يعتبره حزب التجمع الوطني إقراراً بالذنب.
وبدأت في باريس محاكمة مارين لوبان إلى جانب 24 عضواً في حزب التجمع الوطني في سبتمبر/أيلول الماضي، بتهمة استخدام أموال الاتحاد الأوروبي لتمويل رواتب موظفين في حزبها. ومن بين الذين مثلوا أمام القضاء تسعة نواب سابقين في البرلمان الأوروبي عن حزب "الجبهة الوطنية" (الاسم السابق للحزب)، بينهم مارين لوبان ولويس أليوت ونائب رئيس "الجبهة الوطنية" برونو غولنيش والمتحدث باسم الحزب جوليان أودول. كما مثل أمام المحكمة 12 شخصاً عملوا مساعدين للوبان في البرلمان الأوروبي وأربعة مساعدين في الحزب.
مارين لوبان ترفض الاتهامات
رفضت مارين لوبان كل التهم. وقبل مثولها أمام محكمة باريس الجنائية، قالت للصحافيين: "لم ننتهك أي قوانين"، مشيرة إلى أنها "مطمئنة. لدينا الكثير من القرائن التي يتعين علينا توضيحها للدفاع، عما يبدو لي أنها الحرية البرلمانية المعنية في هذه القضية". وكان من المقرر أن تستمر المحكمة، التي تهدد مسيرتها السياسية، لأكثر من شهرين بسبب العدد الكبير من المشمولين بالقضية، ونظراً إلى تداخلاتها وطبيعتها التي حاولت لوبان أن تجعل منها قضية سياسية تستهدف حزبها، وأن تجيش الرأي العام على هذا الأساس، مستثمرة الرصيد الذي حققه حزبها في انتخابات البرلمان الأوروبي والتشريعية الفرنسية مؤخراً.
جوردان بارديلا: النيابة العامة لا تتوخى العدالة بل الانتقام من مارين لوبان
عقوبة جرائم الاختلاس والاحتيال في فرنسا قد تصل إلى السجن لمدة 10 أعوام ودفع غرامة تبلغ أحياناً ضعف الأموال المختلسة. وعلى عكس مارين لوبان بدت أوساط المحكمة واثقة من إدانتها، وأنها ستقضي بعدم أهليتها لتولي منصب الرئاسة، ما يهدد خططها للترشح للرئاسة في 2027. وإلى حين صدور الحكم النهائي في فبراير/شباط المقبل، تعمل لوبان وحزبها لإبعاد شبهة الفساد عنها وعن حزبها، لأن تثبيتها قضائياً يضر بها في المستقبل، رغم ما يبدو ظاهرياً من أن جانب استثمار المظلومية فيها قد يلعب لصالح لوبان، وهناك من يستوحي المسار القضائي، الذي مر به الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب.
وضعت مارين لوبان وقيادات حزبها المسألة في حساب الانتخابات الرئاسية في 2027. وكان أول تصريح صدر عنها في رد فعل على المحاكمة هو أن هدف الملاحقة القضائية سياسي. وعند مغادرتها المحكمة بعد طلب الادعاء العام، قالت للصحافيين إنها ترى في ذلك محاولة "لحرمان الفرنسيين من حرية اختيار ممثليهم"، و"تدمير حزب التجمع الوطني". وذهبت أبعد من ذلك بعد مرور يومين على قرار الادعاء العام قائلة إن "موتي السياسي هو المطلوب"، قبل أن تختتم إن "بقائي السياسي سيعتمد على تنفيذ حكم الإعدام هذا مع التنفيذ المؤقت".
جوردان بارديلا: النيابة لا تتوخى العدالة
من جهته، اعتبر رئيس حزبها جوردان بارديلا، في منشور على منصة إكس وقتها، أن "النيابة العامة لا تتوخى العدالة، بل الانتقام من مارين لوبان"، مشيراً إلى أن الإجراءات القانونية تهدف إلى حرمان ملايين الفرنسيين من فرصة التصويت لها في 2027، معتبراً ذلك "اعتداء على الديمقراطية". لكن ذلك لم يمنعه من إكمال جولته في المدن الفرنسية للترويج لكتابه الصادر حديثاً بعنوان "ما أبحث عنه"، وهو الأمر الذي غمزت منه الصحافة، التي أجمعت على أنه سيكون مرشح الحزب في انتخابات الرئاسة الفرنسية في 2027، في حال تم حرمان مارين لوبان من حق الترشح.
وكان الصيف الماضي ساخناً بالنسبة للوبان على صعيد الدعاوى القضائية المتعلقة بتمويل حملات حزبها للانتخابات التشريعية والرئاسية. ففي يونيو/ حزيران الماضي، صادقت محكمة التمييز بصورة مبرمة على إدانة حزب التجمع الوطني، بتضخيم كلفة اللوازم الانتخابية التي استخدمها مرشحو "الجبهة الوطنية" في الانتخابات التشريعية في العام 2012 وسددتها الدولة الفرنسية. وفي يوليو/تموز الماضي، قال مكتب المدعي العام في باريس، إنه فتح تحقيقاً مبدئياً في اتهامات بشأن تمويل غير قانوني، وآخر يتعلق بالاختلاس والتزوير والاحتيال، وقبول مرشح قرضاً من شخص معنوي أثناء الحملة الانتخابية لزعيمة حزب التجمع الوطني في السباق الرئاسي لعام 2022، الذي خسرته لوبان لصالح الرئيس إيمانويل ماكرون. وأوضح مكتب المدعي العام أن التحقيق يأتي في أعقاب تقرير صدر العام الماضي عن اللجنة الوطنية لحسابات الحملات الانتخابية والتمويل السياسي، التي تدقق في نفقات المرشحين وتمويلهم، وفتح تحقيق بشأن "قرض من شخص معنوي لمرشح خلال حملة انتخابية، وقبول مرشح خلال حملة انتخابية قرضاً من شخص معنوي، واختلاس أملاك من قبل أشخاص يمارسون وظيفة عامة، واحتيال ارتُكب بحق شخص عام، وتزوير وثائق واستخدام وثائق مزورة".
لم يساند لوبان من الوجوه السياسية البارزة سوى وزير الداخلية السابق جيرالد دارمان
سبق لمارين لوبان أن مثلت في مايو/أيار 2023، أمام لجنة تحقيق برلمانية للاستماع إليها بشأن قرض مالي استدانته من أحد مصارف روسيا بقيمة 9 ملايين يورو في العام 2014 من أجل تمويل حملة انتخابية محلية. وربطت أطراف سياسية ذلك بموقفها طيلة حرب أوكرانيا بالدعوة للحوار مع روسيا، على اعتبار أنها "قوة عظمى ولن تختفي عن الخريطة". وهذا يكفي الرئيس الروسي بوتين في هذه المرحلة، على أمل أن يتطور هذا الموقف، إذ إنه لا يستبعد فوز مارين لوبان في الانتخابات الرئاسية المقبلة، بعد النتيجة المهمة التي حققها حزبها في الانتخابات التشريعية الأخيرة في فرنسا، رغم أنه حل في المرتبة الثالثة.
واللافت أنه لم يساندها من الوجوه السياسية البارزة سوى وزير الداخلية السابق جيرالد دارمان، الذي أعرب عن تحفظه على فكرة الحكم بعدم الأهلية بأثر فوري. وقد أثار موقفه استهجان الأوساط السياسية، التي اعتبرته تدخلاً بعمل القضاء الفرنسي من قبل وزير سابق، ما يضعف من مصداقيته، خاصة وأن قرار إحالة مارين لوبان للمحاكمة اتخذه قاضيان من وحدة التحقيق في الجرائم المالية في فرنسا، وليس عن دائرة قضائية عادية، ما يبعد عنه شبهة التحيز، أو التوظيف السياسي.
وتتداول الأوساط السياسية أسماء العديد من المرشحين في حال عدم ترشح مارين لوبان في انتخابات 2027 الرئاسية، كون رئيس حزبها جوردان بارديلا ليس مرشحاً بصورة تلقائية، وأحد الأسباب أنه يبدو أنه لا حظوظ له بالفوز، وهناك انطباع عام بأنه احترق بسرعة من خلال تجربتي الانتخابات البرلمانية والتشريعية، وكان ترشيحه لرئاسة الوزراء مثار نقمة عليه، وأبان عن عنصرية تجاهه من قبل فئة من اليمين المتطرف، من أبناء المدن الذين ينظرون بتعالٍ إلى أبناء الضواحي، حتى لو كانوا من الحزب نفسه.
وفي كتابه الصادر حديثاً، بعنوان "ما أبحث عنه"، لمح إلى ذلك بين السطور، حين يتحدث عن اسمه "جوردان" الشائع بين أبناء الضواحي، الأمر الذي أكسبه "ابتسامات ساخرة" و"ملاحظات متعالية"، في حين أن أبناء الطبقات الميسورة التي تسكن المدن يحملون أسماء ذات رنة مختلفة، مثل شارل، وإيتان، وأرثر، وفرانسوا. وقال في الكتاب: "انطلاقاً من اسمي حددوا مستواي الاجتماعي"، ويرون في الاسم "بطاقة هوية وطبقتي الاجتماعية".
المرشح الذي استغل المناسبة، وبدأ الترويج لنفسه هو الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي بوصفه مرشحا محتملا بقوة، وقد فشل في الحصول على ولاية رئاسية ثانية في العام 2012 أمام منافسه الاشتراكي فرانسوا هولاند. وأصدر هذا العام كتاب مذكرات بعنوان "زمن العواصف" باع حتى الآن 100 ألف نسخة، وظهر في "بودكاست" مطول، وذلك تمهيدا للترشح للانتخابات الرئاسية، مستفيداً من خلو الساحة من شخصية سياسية ذات خبرة وتاريخ سياسي، يمكن أن تصل إلى الإليزيه في هذه الفترة.
مشاركة الخبر: مارين لوبان تبتعد عن حلم الرئاسة في فرنسا على وسائل التواصل من نيوز فور مي