صدفة روما
تحدث أشياء في الحياة بشكل غريب ومفاجئ لا تعرف كيف تفسرها أو تصنّفها لكنها أشياء جميلة وعظيمة وهو ما يعطي للحياة هذا المعنى المتكامل.
كنت قد حجزت لرحلة بحرية تبدأ من سافونا بإيطاليا وتنتهي بسافونا حين أتتني رسالة من البروفيسور ألدو نيقوسيا، تخبرني بأنه سيقوم بعرض كتابه بدايات، وهو عبارة عن ترجمة إيطالية لمطالع روايات 22 روائيًا عربيًا كنت أنا واحدة منهم، يوم 12 نوفمبر، أخبرته أنني سأكون في إيطاليا يوم 11 نوفمبر، وهكذا عدلت حجز العودة كي أحضر الأمسية، وهكذا منذ بدء الرحلة بدأت المصادفات الجميلة.
في سافونا ذهبت لأشتري شريحة بيانات، دخلت المحل، حين عرف صاحب المحل جنسيتي دعاني كي أشاهد معرضه الفني الموجود في قبو المحل، وبينما تركت هاتفي عند زوجته كي تركب الشريحة كان هو يريني لوحاته ومنحوتاته في الأسفل، هو فنان برازيلي يدعى مورا يعيش في إيطاليا منذ خمسة عشر عامًا، ومتزوج من إيطالية، جدها كان فنانًا معروفًا وحولا بيتهما إلى أتيليه، مورا قام بعمل معارض كثيرة في إيطاليا وكان اهتمامه بي لأنه يريد أن يعرض في السعودية، وحين عرف أنني فنانة دعاني لمشاهدة الأتيليه، هناك شاهدت أعماله ومشاريعه التي أبهرتني، رافقني أيضًا إلى نفق، كان الأهالي يختبئون فيه أثناء الحرب العالمية الثانية، أعطتهم البلدية المكان كي يحولوه إلى غاليري يخدم الفنانين المحليين، أخبرني مورا بشغفه للعمل على تحويل المكان إلى مركز فنون.
كانت صدفة هائلة وبداية رحلة مذهلة.
بعد عشرة أيام انتهت الرحلة البحرية وذهبت إلى روما لملاقاة البروفيسور نيقوسيا والذي كان في باري لأمر طارئ فأوصى صديقته كوستانزا أن تقابلني، وحين قابلتها، اتضح انها كاتبة وفنانة، وأمضينا الليلة وأنا أشاهد على جهازها مشروعها الفني الرائع، كانت تتحدث بشغف وجمال عن الفن، وزراعة الزيتون والحياة، كان لقاءها أيضًا، مسألة غير مرتبة وفي آخر لحظة.
ألدو نيقوسيا بروفيسور يعلم اللغة العربية في جامعة باري، يكتب عن الأدب والسينما العربية، التقيته في معرض الكتاب في جدة قبل عامين، ولم ينقطع الحوار بيننا منذ ذلك الحين، هواه عربي، وهو من صقلية، يبدو لي أحياناً أنه أشد عروبة من العرب، مهتم باللهجات، وزار الكثير من الدول العربية، كانت أمسية عرض كتابه ضمن نشاطات مهرجان أفلام المتوسط الذي يقام سنويًا في روما. دعاني لمشاركتي الحوار في الربع الأخير من الأمسية، قامت المحاورة بقراءة جزء من روايتي، أحببت طريقتها في الإلقاء حتى بدون أن أفهم اللغة.
ممتنة للبروفسور وممتنة لمصادفة وجودي في إيطاليا، وممتنة للحياة ومصادفاتها الرائعة.
مشاركة الخبر: صدفة روما على وسائل التواصل من نيوز فور مي