الفزعة والعونة... متطوعون فلسطينيون ومتضامنون أجانب لقطف الزيتون
ينظم مزارعون فلسطينيون حملات "الفزعة" و"العونة" التي تضم متطوعين من الضفة الغربية ومن خارج فلسطين لقطاف الزيتون في مواجهة تزايد تهديدات المستوطنين الإسرائيليين.
يحاول مزارعون فلسطينيون، بكل السبل المتاحة، الوصول إلى أراضيهم، وإنجاز مهمات قطاف ثمار الزيتون في أسرع وقت، مع محاولة عدم تجاوز الوقت المتاح لهم، لا سيما في المناطق التي تتواجد قرب المستوطنات.
وفيما لا يسمح الاحتلال الإسرائيلي إلا بوصول أصحاب الأراضي وأقاربهم من الدرجة الأولى إلى مواقع قطاف الزيتون، لا يجد المزارعون سوى الاستعانة بمتطوعين أجانب يملكون حصانة ديبلوماسية، ما يجعل جنود الاحتلال يترددون في مهاجمتهم كما قد يمتنعون عن طرد المزارعين الفلسطينيين.
وخلال السنوات الماضية تراجع عدد المتضامنين مع الفلسطينيين بسبب تضييق الاحتلال عليهم وملاحقتهم وترحيل بعضهم، أو عدم السماح لهم بدخول الأراضي المحتلة وإعادتهم من المطار، لكن وجودهم في المناطق الحساسة التي تشهد هجمات دموية من المستوطنين يشجع المزارعين على البقاء في أراضيهم وإنجاز مهمات قطاف الزيتون. يستفيد المزارعون أيضاً من تنظيم حملات "الفزعة" و"العونة" بمشاركة ناشطين وطلاب جامعات ومؤسسات أهلية وتطوعية من الضفة الغربية.
يقول رئيس مجلس قروي "يتما" جنوب نابلس، أحمد صنوبر، لـ"العربي الجديد": "يعمل المستوطنون وفق خطط ممنهجة، ويلاحقون المزارعين ويهاجمونهم عبر إطلاق الرصاص عليهم وضربهم وتكسير آلياتهم ومعداتهم. يجعل ذلك كثيرين يخافون من النزول إلى الأراضي لقطاف الزيتون، ما يخلّف خسائر فادحة في الموسم الأكثر أهمية، لذا كان لا بدّ من إعادة تفعيل الفزعة والعونة التي طالما اشتهرت بها فلسطين في مواسم الزراعة المختلفة لتدارك هذه الخسائر، وعدم ترك الأرض لقمة سائغة للمستوطنين".
تحوّلت منطقة جبل صبيح إلى أيقونة للنضال ضد المدّ الاستيطاني
يضيف: "لم يعد وجود ناشطين محليين يمنع هجمات المستوطنين فتمثل الحل في التواصل والتنسيق مع السفارات والقنصليات الغربية والمؤسسات الأجنبية. نجحت قريتنا في تنظيم يوم لقطاف الزيتون في محيط منطقة جبل صبيح المحاذية لبؤرة أفيتار الاستيطانية، وشارك فيه عشرات من بينهم ديبلوماسيون من قنصليتي كندا والدنمارك، وسفير الاتحاد الأوروبي، ومتطوعون أجانب".
وتحوّلت منطقة جبل صبيح إلى أيقونة للنضال ضد المدّ الاستيطاني، علماً أن فلسطينيين من قرى قبلان ويتما وبيتا يملكون أراضيها التي تقع في حوض قبلان جنوبي مدينة نابلس، وهي امتداد طبيعي لسلسلة جبال المدينة، وتقع ضمن أعلى قممها التي يبلغ ارتفاعها 570 متراً.
وتطالب التعليمات الإسرائيلية الأهالي بالتواصل مع الارتباط الفلسطيني لإعلام الارتباط الإسرائيلي بأنهم سيذهبون إلى كرومهم، وتحديداً تلك التي تقع في المنطقة القريبة من ساحات المواجهة اليومية. لكن المستوطنين باتوا يتجاهلون هذه التعليمات، ويسبقون المزارعين إلى الأراضي لقطع أو حرق الأشجار، أو تهديدهم بالقتل إذا واصلوا طريقهم إلى الأراضي.
يؤكد المزارع صالح وادي من بلدة قصرة جنوبي نابلس لـ"العربي الجديد"، أنه فشل مرات كثيرة منذ بدء موسم القطاف في الوصول مع عائلته إلى أرضه القريبة من مستوطنة مجدوليم المشيّدة عند مدخل بلدته، وذلك بعدما وصل إليه تهديد جدي بالقتل إذا فكّر في الاقتراب من الأرض. ويقول: "لم أجرؤ على الوصول إلى أرضي بعدما أصيب خلال الأسابيع القليلة الماضية أكثر من عشرة من أبناء بلدتي بجروح مختلفة بعدما هاجمهم مستوطنون بأسلحة وقضبان حديدية. تواصلت مع المجلس البلدي الذي وعدني بأن ينسق مع القائمين على حملات تضامنية كي أستطيع الوصول إلى أرضي، وبالفعل حضر خلال الأيام الماضية أكثر من ثلاثين ناشطاً أجنبياً وفلسطينياً إلى أرضي، وساعدوني مع عائلتي في انجاز مهمة القطاف".
من جهته، يشير الناشط مهيوب أبو منصور إلى أن حملة "فزعة" تحاول منذ أن أطلقت قبل أكثر من 15 عاماً مساعدة المزارعين والمتضررين في المناطق المهمشة، وترسيخ فكرة التطوع والتشجيع على التكاتف والتعاضد، وأيضاً تأكيد ضرورة أن يحمي أبناء الشعب الفلسطيني بعضهم البعض، كما تنسّق الحملة مع منظمات دولية نشاطات مناهضة الاستيطان.
ويقول أبو منصور لـ"العربي الجديد": "الفزعة أو العونة عرف متوارث عند الفلسطينيين، ويتمثل في المساعدة أو التصدي لاعتداء، أو إنجاز أعمال تطوعية، وقد تراجع بمرور السنوات بفعل تطور المجتمع وتحولاته الاجتماعية والاقتصادية، لكنه يظل موضع تفاخر في المجتمع الفلسطيني، ويعود هذه الأيام من خلال بوابة مواجهة الاستيطان والرد على اعتداءات المستوطنين".
يضيف: "يدعونا عشرات المواطنين من مناطق يصعب الوصول إليها أو يُمنع دخولها أو هي قرب مستوطنات إلى مساعدتهم. هذا الأمر ليس سهلاً كما في السابق لأن مخاطر موسم القطاف تعاظمت، ولم يعد المستوطنون يترددون في إطلاق النار، لذا نستعين بمتضامنين أجانب نطلب منهم توثيق ما يحصل بالصوت والصورة، وهو ما نفعله غالباً من خلال دعوة وسائل الإعلام للحضور إلى المواقع. أطلق مستوطنون طائرة بدون طيار (درون) وتعقبونا عندما وصلنا إلى يتما، واحتشدوا لمنعنا من التقدم، لكننا وصلنا بعزيمتنا الكبيرة وإصرارنا".
واعتذر عدد من المتضامنين الموجودين في المكان عن الإدلاء بأي حديث، في حين قرر بعضهم فعل ذلك شرط عدم ذكر أسمائهم، وأحدهم ناشط أوروبي وصل قبل نحو شهرين إلى الضفة الغربية، ويقول لـ"العربي الجديد": "هذه زيارتي الثانية بعد الأولى في عام 2010، الفرق على الأرض كبير، فنوعية وشكل الهجمات التي يشنها المستوطنون باتت أخطر، وهم لا يهتمون بمن يقف أمامهم، ومستعدون حتى لإطلاق الرصاص من دون تمييز".
ويشير إلى أنه أصر على الحضور الى فلسطين بعد استشهاد الناشطة الأميركية تركية الأصل عائشة نور في مطلع سبتمبر/ أيلول الماضي في بلدة بيتا، ويقول إنه "رغم ما تعرضت له نور، تشجعت مع غيري على القدوم إلى فلسطين، وإكمال الرسالة السامية التي قضت من أجلها".
ويقول مدير مكتب هيئة مقاومة الجدار والاستيطان في شمال الضفة الغربية، مراد اشتيوي لـ "العربي الجديد": "وضعت الهيئة بالتنسيق مع الوزارات والمؤسسات ذات الصلة خطة، ونفذت حملة مع بدء الموسم لمساعدة المزارعين على القطاف في المناطق التي يستهدفها المستوطنون، خصوصاً في جنوبي نابلس التي تشهد دائماً تنفيذ مستوطنين اعتداءات مسلحة".
ويضيف اشتيوي، أن "محاصيل الزيتون لم تجنَ من أكثر من 100 ألف دونم خلال العام الماضي، بسبب اعتداءات المستوطنين ومنعهم وصول أصحابها إليها. نحاول تقليص هذا الرقم في العام الحالي، ودعم المزارعين بكل الوسائل المتاحة".
مشاركة الخبر: الفزعة والعونة... متطوعون فلسطينيون ومتضامنون أجانب لقطف الزيتون على وسائل التواصل من نيوز فور مي