Six Schizophrenic Brothers... حين يبدأ الجحيم قبل القيامة

في عام 2020، صدر كتاب Hidden Valley Road: Inside the Mind of an American Family للصحافي الأميركي روبرت كولكر الذي تابع قصة عائلة غالفين المستقرة في كولورادو، وهي عائلة بدأت تتشكل منذ عام 1945، تضم 12 طفلاً، عشرة ذكور وابنتان. حتى عام 1965، كانت حياة عائلة غالفين مستقرة، وبعدها أصبحت موضوعاً للباحثين الذين يحققون في الأصل الجيني للفصام، ذلك حدث بعد أن شُخّص ستة ذكور من العائلة بهذا المرض.

أخيراً، قدم المخرج البريطاني لي فيليبس مسلسلاً وثائقياً من أربع حلقات ليتحدث عن هذه الأسرة، أو بالأحرى من تبقى منها. أنتجت شركة Firecracker Films المسلسل وبثته قناة "ديسكفري +" و"إتش بي أو". كان فيليبس قد حصل على جائزة بافتا مرتين، واشتهر بمسلسله How to Start Your Own Country الصادر عام 2005.
حقق مسلسله الأخير Six Schizophrenic Brothers نسبة مشاهدات عالية، وساهم في فتح نقاشات بدأت من الصحة العقلية للمجتمع، ولم تنتهِ عند شخصيات سينمائية أثارت الجدل، كالـ"جوكر" في فيلم "باتمان". ويبدو أن لقصص الاضطرابات العقلية والأمراض العصبيّة المعقدة جمهوراً ينتظر استهلاكها وهو متحفز لما سيراه من خليطٍ دراميّ ووثائقيّ عن الجنون والحالات النفسيّة المتطرفة.

ولد الابن الأكبر دونالد غالفين عام 1945، وولدت الأخت الأصغر ماري عام 1965. ماري ما زالت حتى اليوم تعتني بإخوتها المصابين بالفصام، وهي تحدد المشهد والسرد في كامل المسلسل، بدايةً من خلفية والدها العسكريّة، وصولاً إلى حصوله على الدكتوراه في العلوم السياسية، وخلفية أمها الأيرلندية الكاثوليكية الصارمة، ولاحقاً الأولاد جميعهم وطباعهم وما حدث معهم كلٌ على حدة.

أولى العلامات التي لاحظتها ماري عندما كانت طفلة هي أن دونالد قَطَّعَ كلباً في حوض الاستحمام في منزلهم، وكان جيم (الابن الذي يلي دونالد) قد أصبح عنيفاً جداً وخرج عارياً إلى الشارع في كثير من الأحيان. انقلبت تجربة الأسرة المؤلمة مع الفصام إلى مأساة عندما اكتشفوا أن برايان، رابع أكبر الإخوة، قتل صديقته قبل أن ينتحر.
تقول ماري: "كان الأمر أشبه بتأثير كرة الثلج". كان الوالدان يلومان نفسيهما، وتطلب الأمر منهما عقداً كاملاً ليفهما أن ستة من أولادهم مصابون بالفصام، ويجب عليهما التفكير في علاجٍ أو وقاية. لكن الأوان قد فات، فدونالد وجيم تحديداً كانا يستطيعان بسهولة الاعتداء جسدياً على الأب والأم، وفي بعض الأحيان يدخل جميع الذكور في عراك فيتحول المنزل إلى حلبة مصارعة في الجحيم.

أربعة من الإخوة الأصحاء ظهروا في مقابلات خلال العرض. كان دورهم سلبياً تجاه الأسرة. جميعهم استسلموا للأمر الواقع، وكانوا يحاولون البقاء بعيدين عن العنف، وكانوا قد نسوا من تبقى من إخوتهم الفصاميين في المستشفى. قدموا بعض الذكريات الطفولية مع إخوتهم قبل أن تضطرب حالتهم العقلية بشدة، لا أكثر. على مر السنين، حاولت الأم الإبقاء على هذه العائلة كيفما اتفق، حتى لو تطلب الأمر غض النظر عن اغتصاب جيم لأخته ماري باستمرار حتى بلغت العشرين، أو ضرب الأطفال لأمهم وإخوتهم الأصغر سناً، ذلك عبر تحويلهم إلى أكياس ملاكمة، وكان موضوع الاعتداء الجنسي قد ذكر على لسان ماري بعفوية محيرة.

اللافت في العمل هو الفرص الضائعة، ذلك بسبب التركيز الدائم على تتبع ظهور المرض العقلي في الأسرة. قابل لي فيليبس ثلاثة من الإخوة المصابين بالفصام، دونالد الذي، حسب قوله، استولى الشيطان على عقله، ويأمره ويحكم عليه سلباً، وينتقده بشدة، فما كان إلا أن قاومه بالإنجيل. وبول الذي يقدم نفسه بصفته بول ماكارنتي وهو حزين على فقدان صديقه جون لينون. والأخير بيتر، وهو الأكثر اضطراباً ونشاطاً بسبب ما تعرض له من علاج بالصدمات الكهربائية، يقدم نفسه كقديس يعمل في مستشفى الدولة ويحاول الاعتناء بأصحاب الأمراض العقلية، وكان قد صُلب ومات بجانب المسيح.

هذه الفرص الضائعة حولت الشخصيات الثلاث إلى ما يصنف بغريب وغير طبيعي ولا معقول، وخسرنا تجربة فريدة بالتعرف سينمائياً على ما يدور في عقولهم عبر منظورهم الخاص ومن وجهة نظرهم وبمفرداتهم؛ فكانت أسئلة المخرج تشبه أسئلة المحقق المتململ، وركّزَ على كل ما هو مثير، كالاغتصاب وحالات العنف الشديدة وجرائم القتل والانتحار.

هذه العائلة التي مزقها المرض العقلي، درسها المعهد الوطني للصحة العقلية، فشكلت عينات حمضهم النووي منجماً من الذهب، وحجر الزاوية للبحث عن أسباب المرض وإبطال الحجج الزائفة والهرطقات الواهية عنه؛ فأتى تحليل الباحثين القائمين على العمل منذ عقود بأن مجموعة من الجينات والطفرات (حددوا عدداً منها) تتسبب بهذا المرض، فالاستعداد البيولوجي وبيئة التنشئة (صدمات نفسية وتعب ووحدة وتعاطي المخدرات) تتكاتفان معاً لتحفيزه.

لا شك أن ديناميكية الأسرة الكبيرة والتطرف الكاثوليكي لدى الأم والسعي إلى تحقيق الأب للحلم الأميركي، والاعتداء الجنسي المستمر للكاهن فرويدنشتاين على جيم ودونالد، وحالة المؤسسات الطبية التي تذكرنا بمشاهد من فيلم One Flew Over the Cuckoo's Nest، جميعها عوامل ساهمت بتفاقم المرض، وفشل فيليبس بتقديم نتائج تضافر هذه الظروف إلى الفضاء العام، وانتهى به الحال بمسلسل ترفيهيّ في أحسن الأحوال.

مشاركة الخبر: Six Schizophrenic Brothers... حين يبدأ الجحيم قبل القيامة على وسائل التواصل من نيوز فور مي