جورج البهجوري.. التسعيني مواصلاً مسيرته
مزيجٌ حيوي بين التعبيرية والتكعيبية التي تستلهم طاقتها من التراث الشعبي المصري. هكذا يُمكن وصف معرض التكشيلي ورسّام الكاريكاتير المصري جورج البهجوري (1932)، الذي افتُتح في الثالث عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، في "بيكاسو آرت غاليري" بالقاهرة، والذي يتواصل حتى الثلاثين منه؛ إذ يبدو المعرض "تتويجاً لرحلة لا ينقصها شيء من عناصر الأسطورة"، وفقاً لتقديم للمعرض، حيث تمتدّ مسيرة صاحبه لأكثر من سبعة عقود، واكب خلالها أبرز أعلام المشهد التشكيلي في بلاده، وكان شاهداً على محطات تاريخية عديدة انعكست وأثّرت في أعماله.
ثلاثون لوحة يكثّف فيها صاحب كتاب الرسومات والمذكّرات "بهجر في المهجر" (1989) الخطوط العريضة لرؤيته الفنّية. تُطالعنا بدايةً تلك الطرافة المتوثّبة والحسّ الساخر لرسّام الكاركاتير، وقد استحالت بدرجة أعمق من المعالجة التشكيلية إلى وجوه وأجساد فريدة تؤلّف مواقف ومشاهد اجتماعية خاطفة، وتُحافظ على حدّتها اللونية المتدرّجة بين البنّي والأحمر.
نلمح وجوهاً في لوحات التشكيلي والنحات المُقيم في باريس منذ 1975، لكنّها ليست تلك البورتريهات الصافية، بل المندغمة الأبعاد، فمن العيون يبقى لنا الإغماض، ومن الأفواه الإطباق، وكأنّ هذه العناصر محكومة بالانكماش والقبض، لكن هذا لا يعني أنّ اللوحة صغيرة أو محدودة، بل على العكس تماماً. ومن بين هذه المجموعة يظهر بورتريه شخصي أنجزه لنفسه، يتبادل التحديق بعيون خفيّة مع الزوّار.
تتبدّى في الأعمال المعروضة طرافة رسّام الكاريكاتير وحسّه الساخر
الأعناق المشرئبّة في شخصيات لوحة البهجوري تُذكّرنا برسومات الفنّان الشهيرة لأُمّ كلثوم. هناك طاقة في اللوحة قادمة من عالم الغناء والصوت والكاريزما التي لا تتكرّر لـ"كوكب الشرق". كذلك نقف أمام لوحاته اليوم فتصلنا إشراقاتٌ، ولو بشكل لمّاح، من تلك الخلفية التأسيسية في مسيرته. أمّا النساء فيكاد حضورهنّ يطغى على الأعمال، من دون أن يُوقع هذا التكرار اللوحة في فخّ المتوقّع. نعم، هناك إطارٌ حسّي تعبُر النساء من خلاله، ويقُلن ما عندهن - تشكيلياً - عبر الجسد والرغبة، لكن ذلك ليس مجانياً، فمؤدّياته تنتهي إلى قدرة ضبطٍ للوحة ككلّ بما هي مشهد واقعي من صلب المجتمع.
منذ رسوماته عن مدينة بورسعيد وصمودها في وجه "العدوان الثلاثي" عام 1956، ظلّت أدوات جورج البهجوري الفنّية تُصقَل بالتجربة والحسّ الشعبيّين، إن جاز التعبير، رغم أنّه أكاديمي درّس وحاضر في عدد من الجامعات بمصر وبلدان أوروبية، وبهذا لا تمكن قراءة لوحات هذا المعرض إلّا كامتداد لذات الأدوات والرؤية.
قدّم الفنان التسعيني أكثر من مئتي معرض فردي وجماعي، منذ أواسط خمسينيات القرن الماضي، وهذا ما يجعل لوحته اليوم مفتوحة على طور من الاستلاف ممّا قبلها. إنّنا نفتّش عن أصل ونظنّ أنّنا لمحناها من قبل، لكنّنا في الحقيقة نعجز عن التلخيص والعثور على أصل واحد، خاصّة أنّ صاحبها يلعب مع الموضوعات والعناصر الشرقية (رجال ونساء، طرابيش وشوارب، ستائر وكشف وحَجب، أجساد وشوارع) لعبةً لانهائية، هي لعبة الحنين إلى أوّل منزل وحارة وحُبّ.
مشاركة الخبر: جورج البهجوري.. التسعيني مواصلاً مسيرته على وسائل التواصل من نيوز فور مي