ترامب... ماذا في يد عريس الغفلة؟
منذ ولاية ترامب الأولى، أدركنا أنّ العالم قد جُنّ حرفيّاً، وفقدَ أيّ إحساس بالمنطق. من كان يتخيّل أن يَنتخب عشرات الملايين من المتعلّمين، وبعضهم متخرّج من أفضل الجامعات في العالم، رجلاً أحمقَ لا يخفي حُمقه، ولا يُداريه. مثل عريس الغفلة الذي تُحضره خطّابة عمشاء ... ثم ها هم ينتخبونه مرّة أخرى، والثالثة ثابتة للعريس، والجري للمَتاعيس.
قد لا تكون كامالا هاريس المنافس الأكثر كفاءة، لكن هل هو كفؤ؟ يصعبُ تخيّل أسبابِ انجذاب ترامب إلى السّياسة، ما عدا وهمِ العظمة، والملل من عدّ المال الذي لا يصعب على أمثاله حصده، طالما عثروا على الضّرع الملائم لحَلبه. لعلّه كان جالساً في جلسة فَرفشَة مع رفاقه من المليارديرات، وقال: لمَ لا؟ ما الذي يمنعه من أن يكون رئيس الولايات المتحدة؟ وهو بالطبع المنصب السياسي الأهمّ في عالم اليوم، وأمس، وغداً... وإلى وقتٍ لا نعلمه.
نعرف مدى جَشع ترامب وحبه السّلطة وقمع الآخرين من برنامج تلفزيون الواقع "المتدرّب" الذي قدّم ترامب 14 موسماً منه، والذي كان يُقرّع فيه الخاسر في كلّ حلقة كما لو أنه سرق شقا عمره. لعله يتمنّى لو كان زعيماً عربياً مؤبداً، ولعله يفعل ما فعله قيس سعيّد، من يدري!
إذا لم يكن الأمر سريالياً بما يكفي من قبل، فهو كذلك الآن، مع زواجه المنفعي من إيلون ماسك، الذي لا يقلّ حمقاً عنه. وللتوضيح فالحُمق هنا لا يعني الغباء، فهما ذكيان للغاية، وإلا لما جمعا هذا المال كلّه، على استحالة جمعه إلّا في جُملة. خاصة ماسك، الذي صار يعدّ نفسه إلها صغيراً على الأرض، وهي ليست ألوهية العبودية، بل ألوهية القدرة، فهو يظن أنه يكفي أن يقول للشّيء: كن، فيكون. إنما الحمق هنا فقدان الحس بالمنطق والتصرف الأهوج مثل طفلين شقيين. فلمّا غطرستهما على بعضها، ليُنجبا ما نعرف مسبقاً أنّها مصيبة لا قِبل لنا بها.
لعلّها غطرسة مبرّرة، ففي عالمٍ يكافح فيه مليارات البشر من أجل قوت يومهم، صار أخونا ماسك أغنى رجلٍ فيه. أليست معجزة تلك؟ وعلينا هنا أن نتفهّمه، بما أن الكبر بلغ به الاعتقاد بأن كل شيء ممكن، ومن المُستغرب أنه لم يفكّر في ترشيح نفسه لمنصب شريكه ترامب. لكنه لم يفعل، إذا كان بإمكانه امتلاك قوّة المنصب من دون أعبائه؟ بالإضافة إلى انشغاله بما هو أهم، استعمار المريخ، أمّا الأرض فتجارةٌ بائرة.
ما الفرق بين حُكم ترامب والبقيّة؟ الفرق ببساطة هو بين أن تضع ثوراً هائجاً على كرسي المشاهدة، في ساحة مصارعة الثّيران، بدل متفرّجٍ يُحبّ منظر الدّم. الثاني لا يُؤمَن جانبه لحبّه مشاهدة إراقة الدماء، لكنه أفضل خيار، مقارنة مع الثور الذي قد يندفع في أيّ لحظة إلى الحلبة، مشتّتا الجمع بحوافره. لهذا، المقارنة بين ترامب وكامالا هاريس كانت مفاضلة بين السيئ والأسوأ، بالنسبة لنا. أما كثيرون من الأميركيين فتبيّن أنهم سذّج، حين رأوا أنه لا فرق بينهما لأن الدّولة العميقة هي من يحكم.
ليس الحديث عن الدولة العميقة ذمّاً، فهي تختلف في الدُّول الديمقراطية، عنها في غيرها، لأنها مجموعة من المؤسّسات التي يستمرُّ عملها بغضّ النّظر عن اسم الرئيس أو الوزراء، لقيامها على قوانين وسياسات ثابتة، والتي تتوارث نمطاً ثابتاً من تصوّر شكل الدولة. يمكن للرّئيس تغيير بعض السّياسات، ومنازعة الدولة العميقة في بعضها الآخر، لكنه لن يغيّر طبيعة النظام السياسي، أو أدواره داخلياً أو خارجياً، طالما ظلّ تحت راية الديمقراطية.
لكن الرئيس، رغم قوة الدّولة العميقة، يمكن أن يؤثر بقوّة على الموازين السياسية، مع وجود هوامش كثيرة للحركة أمامه. ومن يُحسن استغلالها يمكن أن يحقّق الكثير، في عالم متسيّب نرى فيه العجب كل يوم، وتنهار منظومته الأخلاقية بالتّدريج. حتى صرنا نرى صقور البيت الأبيض، مثل جورج بوش الابن، حمائم أليفة، رغم "محور شرّه"، مقارنة مع ترامب الذي لن يتردّد في رمينا في البحر، إذا شاءت ابنتُه اللّقيطة التي زرعها في خاصرتنا.
مشاركة الخبر: ترامب... ماذا في يد عريس الغفلة؟ على وسائل التواصل من نيوز فور مي