ما لم يقله لقمان الحكيم لابنه
لطالما كانت الحكمة إرثًا ينتقل من جيلٍ إلى آخر، ومن بين أسمى صور الحكمة تلك التي قدّمها لقمان الحكيم لابنه في وصاياه. هذه النصائح الخالدة تتجلّى في الأخلاق والتوحيد والصبر. ولكن إذا أعدنا قراءة هذه الوصايا على ضوءِ الواقع العراقي، فإننا نكتشف دروسًا إضافية، لم تُقل صراحة لكنها تتحدّث إلى كلّ من يعيش التحديات التي تواجه العراق اليوم.
الحكمة في خضم الفوضى
إذا أسقطنا حكمة لقمان على واقعنا العراقي، فإنّ أوّل ما يبرز هو قيمة الصبر وسط الأزمات. فالعراق الذي عاش حروبًا وحضارات وصراعات داخلية، يعكس صورة مجتمعٍ يحتاج إلى حكمةِ لقمان ليدرك أنّ البناء الحقيقي يبدأ من الداخل. ما لم يقله لقمان لابنه هو كيف يمكن التعامل مع الفوضى مثلًا. وربّما لو كان لقمان في العراق اليوم، لنصح ابنه بالصبر والإيمان بقدرة الأجيال على تحقيق التغيير، مهما بدا الطريق صعبًا.
درسٌ من حكيمٍ بصري
لنربط الحكمة بقصّة من العراق، حيث يُقال إنّ هناك شيخًا حكيمًا في البصرة كان يجتمع حوله أهل القرية طلبًا للمشورة. وفي يومٍ، جاءه شاب غاضب لأنّ حلمه في الهجرة خارج البلاد قد فشل. سأله الشيخ: "هل تعرف كم يحتاج النخل لينضج؟" أجاب الشاب: "سنوات طويلة." قال الشيخ: "وهكذا أنت. إن لم تصبر على بناء نفسك هنا، فلن تنضج في أي مكان آخر".
في مجتمعاتٍ تتخلّلها الشبهات، يصبح الحديث عن الأمانة واجبًا عمليًا لا مجرّد وصية
هذا الموقف يعكس ما لم يقله لقمان لابنه: إنّ الأرض التي تنتمي إليها تحتاج إلى عطائك، والهروب من الواقع لا يصنع مستقبلًا.
الأمانة في وجه الفساد
من أعظم التحديات التي يواجهها العراق اليوم هي الفساد. وبينما نصح لقمان ابنه بالعدل والالتزام بالقيم، فإنّ واقعنا العراقي يدعونا إلى إسقاط هذه الحكمة على ما لم يُقل. ففي مجتمعاتٍ تتخلّلها الشبهات، يصبح الحديث عن الأمانة واجبًا عمليًا لا مجرّد وصية. فالأب في العراق قد يقول لابنه: "كن شريفًا ولو كان الجميع من حولك يُخطئون." وهنا تأتي الحكمة العملية لتُترجم إلى فعلٍ يصنع الفرق.
قِصّة نهر الفرات
من قصص العراق الخالدة أنّ نهر الفرات، رمز الخير والعطاء، قد يعكس درسًا من دروس لقمان. يُروى أنّ أحد الفلاحين استدان من جاره بسبب قلّة الأمطار. وعندما جاء الموسم التالي وكانت المياه وفيرة، عرض الفلاح على جاره ردّ الدين مع زيادة كرمًا منه. قال له الجار: "لا تُكثر عليّ، فالنهر سيمنحنا ما نحتاجه إن كنا أوفياء له." هذه القِصّة تعبّر عن مفهوم الشكر في وصايا لقمان، لكنها تضيف درسًا عراقيًا: الوفاء بالعهد، حتى في أوقات الوفرة، هو ما يحفظ البركة للأجيال القادمة. الوفاء بالعهد، حتى في أوقات الوفرة، هو ما يحفظ البركة للأجيال القادمةالتعايش بين المذاهب والأعراق
ما لم يقله لقمان لابنه في نصائحه قد يكون دعوةً للتعايش والسلام. العراق، الذي يزخر بتنوّعه الطائفي والعرقي، يحتاج إلى حكمة تقول: "الاختلاف رحمة إن تعاملنا معه بحب وعدل". وفي كثير من القصص العراقية، نجد حكمة بسيطة تُقال في الأرياف: "من حرث أرضه مع جاره، جنى محصولًا مضاعفًا." إنّها دعوة للوحدة، مشابهة لرسالة لقمان عندما حثّ ابنه على العمل الصالح والابتعاد عن الظلم.
إنّ حكمة لقمان ليست مجرّد وصايا تُقال، بل منهج حياة يمكن أن نتعلّم منه في أيّ زمانٍ ومكان. وفي العراق، حيث يعيش الناس تحديات يومية، تبدو هذه الحكمة أشبه بمنارة تُرشد الأجيال. ما لم يقله لقمان لابنه هو أنّ الحكمة لا تُفرض، بل تُكتسب من خلال التجربة.
في النهاية، العراق، بكلّ قصصه وتراثه، يعكس صورة مجتمع يحتاج إلى إعادةِ قراءةِ قيمه في ضوء الحكمة التي تركها لنا لقمان، ليبني جيلًا جديدًا قادرًا على مواجهة الحاضر بالأمل والعمل.
مشاركة الخبر: ما لم يقله لقمان الحكيم لابنه على وسائل التواصل من نيوز فور مي