تكتلات ليبية تعلن توحدها.. هل تنجح في المشاركة في العملية السياسية؟
تشارك العشرات من التكتلات والأحزاب السياسية في المشهد السياسي في ليبيا، ورغم تفاوت حضورها في محطات الأزمة السياسية القائمة منذ سنوات، إلا أن مراقبين يقللون من تأثيرها بسبب قصر عمر التجربة الحزبية في البلاد.
والخميس الماضي، أعلنت سبع كتل حزبية ليبية توقيعها اتفاقاً لتوحيد كلمتها من خلال تنسيق جهودها وعملها السياسي المشترك، لضمان تعزيز العمل الحزبي والمشاركة والعملية السياسية.
ووفق بيان الاتفاق، فإن هذه التكتلات السبع هي، تنسيقية الأحزاب والتكتلات السياسية الليبية، والحراك الوطني للأحزاب الليبية، ورابطة الأحزاب الليبية، وتجمع الأحزاب الليبية، والتجمع والوطني للأحزاب، والاتحاد الوطني للأحزاب الليبية، وشبكة الأحزاب الليبية، وتضم جميعها سبعين حزباً سياسياً.
واعتبر محمد الغويل، رئيس حزب السلام والازدهار، المشارك في إعداد الوثيقة، أن الاتفاق بمثابة "نقطة عبور بارزة في توحيد الصف الوطني، سعياً لإنهاء الأزمة الليبية الراهنة عبر تعزيز التعاون بين الأحزاب السياسية". ووصف الغويل، في تدوينة في حسابه على فيسبوك، الاتفاق بأنه "رسالة أمل، مفادها أن الحل للأزمة يكمن في العمل الجماعي والتكاتف الوطني، ما يعزز الآمال في تحقيق السلام والاستقرار في البلاد".
وتُعد التجربة الحزبية في ليبيا جديدة، إذ كان إنشاء الأحزاب ممنوعاً خلال فترتي الحكم الملكي ونظام العقيد الراحل معمر القذافي. وصدر أول قانون لإنشاء الأحزاب عام 2012، فتأسست وفقه العشرات من الأحزاب، بلغ عددها حتى نهاية عام 2014، 30 حزباً، وبنهاية عام 2021 منحت لجنة شؤون الأحزاب الحكومية تراخيص بإنشاء 252 حزباً جديداً.
وأثنى حسن عبد المولى، الأكاديمي وأستاذ النظم السياسية، على خطوة توقيع الاتفاق، معتبراً أنها مهمة في جانب إضافة وثائق سياسية جديدة في التجربة الحزبية تفيد في تراكمها، حتى وإن تعثر تنفيذها. واعتبر عبد المولى في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن اتفاق هذه التكتلات يصب في اتجاه "الحاجة لتوحيد الرؤى السياسية ضمن مجموعات ضغط منظمة لملء شواغل العملية السياسية المحتكرة في يد قلة من المتصارعين يوجهونها بحسب مصالحهم".
سيطرة القبلية على العمل الحزبي في ليبيا
لكن عبد المولى أشار في ذات الوقت إلى ما يصفه بــ"القصور" في العمل الحزبي "مثل عدم وضوح خريطة انتشار أحزاب هذه الكتل". وقال: "لا أعتقد وجود امتداد لهذه الأحزاب في مناطق سيطرة العسكر في شرق البلاد، أو في جنوبها، حيث لا يزال أكثر السكان يحتضنون أنصار النظام السابق ويتبنون أفكاره، كفكرة اللاحزبية". وغير ذلك، يرى عبد المولى أن التجربة الحزبية في ليبيا "لا تزال غير ناضجة"، لذا يؤكد "ضرورة التفات الأحزاب والتكتلات إلى العمل على بناء ثقافة العمل الحزبي في أوساط المجتمع"، موضحاً أن "القبيلة المكون الرئيسي للمجتمع الليبي تتشدد في تماسك وحدة رأيها، فهي ترفض أي اختراق لها يأتي من خارجها، وهذا يصطدم مع الفكرة المدنية للعمل الحزبي العابر للحدود".
ووفق قراءته، يرى عبد المولى أن هيمنة مفاهيم القبيلة في الحياة السياسية، هو ما حدا مجلس النواب لإصدار القوانين الانتخابية الأخيرة على أساس انتخابات الدوائر المناطقية وحرم الأحزاب حق الانتخاب وفق القائمة الانتخابية، مشيراً إلى أن "الانتخاب بالقوائم الانتخابية يعرقل وصول الشخصيات المحسوبة على القبيلة والجهة إلى مراكز السلطة، وهو ما ترفضه حتى ثقافة صانعي القرار والتشريعات في مجلس النواب".
وفيما أشار عبد المولى إلى أن قانون الأحزاب "يصرح بحظر إنشاء الأحزاب على أساس قبلي أو جهوي، ما يجعل القبيلة والجهة من أشد معارضي العمل الحزبي"، لفت إلى عوائق قانونية أخرى تحد من قدرة الأحزاب على العمل، ومنها "الجدل القانوني المحيط بإنشاء الأحزاب، فالمجلس الأعلى للقضاء أفتى في سنوات طويلة بعدم دستورية اللائحة التنفيذية لقانون الأحزاب عام 2012، وعلى الرغم من استمرار العمل بها إلا أن كل ما صدر عنها من تراخيص إنشاء الأحزاب يجعلها محل شكوك قانونية".
ويشترك الناشط السياسي محمود المسعودي في تأكيد أهمية الأحزاب في العملية السياسية من زاوية قدرتها على تقديم تصورات وحلول من واقع الأزمة السياسية، إلا أنه يعتبر أنها "تعيش وضعاً فوضوياً، خصوصاً في أعدادها الكبيرة التي لا تتسق مع حجم الأزمة السياسية". وقال: "بغض النظر عن موقف الأحزاب الأخرى التي لا يعرف عددها، لنتصور أن لدينا سبعين رؤية سياسية بمجموع أحزاب هذه التكتلات التي أعلنت عن نفسها، رؤى لا يقوم عليها أي مشروع واحد، أليس هذا زيادة في التأزيم؟".
وتساءل المسعودي، في حديث لـ"العربي الجديد"، عن فاعلية الكتل البرلمانية داخل مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، مضيفاً: "أعضاء المجلسين كلهم ينخرطون في كتل برلمانية، وهم أنفسهم سبب الأزمة السياسية، أما الأحزاب فكثيراً ما صدرت عن بيانات في أكثر من مرحلة، لكنها لا تمثل موقفاً حزبياً حقيقياً بل رأياً سياسياً مجرداً يمكن أن يبلوره أي مراقب أو متابع للشأن، فلم تقترح بديلاً ولم تقدم أي مشروع وطني طوال السنوات الماضية".
وأضاف المسعودي: "هناك تناقضات لا يمكن للأحزاب اختراقها أو العمل وسطها، وعلى سبيل المثال فالمعروف أن العسكر لا يقبل أي منافس ويحاربه بضراوة، فكيف للأحزاب أن تشكل قوة ضغط على خليفة حفتر ليقبل بنتائج أي اتفاق سياسي مقبل؟".
ويُجمل المسعودي رأيه في أن الأحزاب في ليبيا "في مستوى الأطوار الأولى من التشكل ولا يزال أمامها الكثير من العقبات، خصوصاً أن الوضع السياسي انتقل إلى مراحل معقدة انتهت إلى ارتهان العملية السياسية بالإرادة الدولية وليس المحلية، فالأمم المتحدة هي من تملك قرار فتح حوار سياسي أو غلقه، وكل الاتفاقات الدستورية وُقّعت خارج البلاد، فأي دور يمكن أن تلعبه الأحزاب بشكل منفرد أو جماعي، ولا ننسى شكوك الليبيين أيضاً في دور المال السياسي ولوبيات الضغط، خصوصاً المسلحة، لتوجيه أي عملية أو حوار سياسي لمصالحها".
مشاركة الخبر: تكتلات ليبية تعلن توحدها.. هل تنجح في المشاركة في العملية السياسية؟ على وسائل التواصل من نيوز فور مي