اقتصاد لبنان في عهد ترامب: انعكاسات على الصادرات ودعوات للإصلاح
تختلف التحليلات حول تأثير وصول دونالد ترامب إلى الرئاسة على اقتصاد لبنان الذي يواجه عدواناً إسرائيلياً من جهة، وأزمة اقتصادية عميقة من جهة أخرى. ويقول خبراء أن سياسات ترامب قد تخفض كلفة الواردات في لبنان، وتدفع بالاقتصاد في حال تنفيذ الإصلاحات.
حيث تُثير عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض تساؤلات حول تأثير سياساته الاقتصادية على العالم، وخصوصاً منطقة الشرق الأوسط ومنها لبنان الذي يواجه عدواناً إسرائيلياً واسع النطاق وأزمة اقتصادية ضخمة. فانتعاش الاقتصاد الأميركي قد يفتح آفاقاً محدودة لتحسين صادرات لبنان، رغم تحديات البنية التحتية الهشة. وتوسع إنتاج الطاقة الأميركية قد يخفض أسعار المحروقات عالميًا، مما يُخفف أعباء الاستيراد إلى لبنان.
هذا الواقع يُبرز أهمية السياسات الأميركية في رسم مستقبل اقتصادي هش للبنان، ويثير تساؤلات حول قدرة البلاد على التكيف مع التغيرات المرتقبة في النظام الاقتصادي العالمي.
التأثير على اقتصاد لبنان
وقال رئيس الجمعية الاقتصادية اللبنانية، والخبير الاقتصادي السابق في صندوق النقد الدولي، منير راشد، في حديث خاص لـ "العربي الجديد"، إن عودة ترامب إلى الرئاسة قد يكون لها أثر كبير على الاقتصاد، حيث يتبنى سياسات تشجيع القطاع الخاص من خلال تخفيض الضرائب على الشركات من 21% إلى 15%. وأشار إلى أن ذلك قد يسهم في إعادة التوازن المالي للولايات المتحدة، حيث يؤدي إلى خفض العجز وتكاليف الدين العام، ومع انخفاض عجز الموازنة، من المتوقع انخفاض معدلات الفائدة، مما يشجع بدوره القطاع الخاص.
وأوضح راشد أن نمو الاقتصاد الأميركي يمكن أن ينعكس إيجابياً على الاقتصاد اللبناني، إذ إن انتعاش الطلب في الولايات المتحدة قد يفتح فرصاً لزيادة الصادرات اللبنانية إلى السوق الأميركي. وأكد أن سياسات ترامب السابقة قد أسهمت في خفض الأسعار، حيث يعارض رفع الحد الأدنى للأجور وتجنب التضخم، والأجور تُعد من الأكلاف الأساسية في جميع القطاعات الإنتاجية والخدماتية وتشكّل التكلفة الأكبر للشركات.
وأضاف أن الدعم الأميركي للبنان، سواء في المساعدات أو إعادة الإعمار، مرتبط بإجراء لبنان إصلاحات هيكلية في مجالات مثل قطاع الكهرباء وتقليص العجز المالي، كما طلب ذلك من قبل المانحين في مؤتمر سيدر، الذي وعد لبنان بـ 11 مليار دولار. وأكد راشد أن تغيّر الجغرافيا السياسية في لبنان له أثر كبير على المساعدات الأميركية، خاصة مع الإصلاحات المطلوبة. وأشار إلى أن هذا الموضوع يرتبط بالاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة، بالإضافة إلى التقارب السعودي-الإيراني.
وأضاف راشد أن ترامب قد يسعى لتوسيع إنتاج الطاقة، ما قد يكون له أثر إيجابي على لبنان، حيث يستورد جميع احتياجاته من المحروقات، وبالتالي، فإن انخفاض الأسعار قد يخفف من التكلفة على الاقتصاد اللبناني. لكنه أشار إلى احتمال أن يؤثر هذا سلباً على تحويلات المغتربين في حال تراجعت أسعار النفط، خاصةً في دول الخليج. بالمقابل، أوضح راشد أن تحويلات المغتربين بالدولار قد تسهم في تخفيف بعض الضغوط على الأسر اللبنانية من خلال زيادة قيمتها عند تحويلها إلى الليرة. لكن في المجمل، تعزز هذه العوامل الضغوط الاقتصادية على لبنان وتفاقم أزماته الاجتماعية.
سياسات غير واضحة
من جانبه، صرّح عضو مجموعة العمل المستقلة من أجل لبنان (منظمة غير حكومية)، الخبير المالي والضريبي، كريم ضاهر، في حديث خاص لـ “العربي الجديد"، أن السياسة الاقتصادية للرئيس الأميركي دونالد ترامب غير واضحة تماماً، إلا أن سياسة ترامب تتميز بطابع ليبرالي إلى أقصى حد، حيث يسعى لتحفيز النمو الداخلي وخلق فرص عمل عبر تخفيض الضرائب في أميركا وتقليل التكاليف الخارجية قدر الإمكان. أما في ما يتعلق بلبنان، فأكد ضاهر أنه رغم إدراجه في اللائحة الرمادية ووضعه الاقتصادي المتدهور، ليس من مصلحة الولايات المتحدة انهياره بشكل كامل، نظراً لوجود اللاجئين السوريين والفلسطينيين فيه، حيث إن انهيار لبنان سيؤدي إلى موجة نزوح إلى أوروبا وأميركا.
وأشار ضاهر إلى أنه على الرغم من طباع ترامب الحادة، فإنه قد يلجأ إلى المهادنة مع بعض الدول في المرحلة المقبلة ولن يسعى إلى التصادم الذي قد يضر بمصلحة أميركا أو إسرائيل، بل سيبحث عن تسويات. وأوضح ضاهر أن ترامب يسعى إلى تقليل التكاليف الخارجية قدر الإمكان، كقراره بالخروج من سورية دون التأثير على النفوذ الأميركي، كما سيعمل على تقليص مبيعات الأسلحة والمساعدات لأوكرانيا وسيسعى لوقف النزاعات في الشرق الأوسط لتخفيف العبء على الاقتصاد الأميركي وتقليل المساعدات الأميركية لإسرائيل.
وأكد أن ترامب سيتبنى أي سياسة تسهم في تخفيف الإنفاق العام، وسيتجه نحو سياسات متشددة في ما يتعلق بالرسوم الجمركية للحد من المنافسة مع الصين والدول الأوروبية، وقد يلجأ إلى تدابير انعزالية. وشدد ضاهر على أن هناك العديد من العوامل والتداعيات التي قد يعتمدها ترامب في سياساته، مؤكداً أن النزاعات المسلحة لها آثار سلبية على النفط، حيث تهدد آبار النفط وطرق الإمداد، بالإضافة إلى الاتفاقيات الاقتصادية.
وأضاف أن ترامب سيعمل على إعادة التوازن، مشيراً إلى أن الانهيارات الاقتصادية في المنطقة لا تصب في مصلحة أميركا، حيث إن ضعف اقتصاديات دول كبرى كمصر والأردن يؤثر على الاستقرار في الشرق الأوسط ويزيد من تعقيدات النزاع القائم.
اقتصاد صغير
بسياقٍ متصل، قال الباحث والخبير الاقتصادي، منير يونس في حديث لـ"العربي الجديد"، إن جميع المواضيع المستقبلية مرتبطة بالصيغة التي سيتم التوصل إليها لوقف إطلاق النار، وبالوضع الأمني الذي سيستقر في الجنوب اللبناني، ودور حزب الله في النظام السياسي، مشيرا إلى أن المسألة الأساسية تكمن في كيفية الخروج من الحرب والصيغة التي ستعتمَد، لأن هذا العامل هو الأساسي بالنسبة للمجتمع الدولي، وخصوصاً الولايات المتحدة. وأضاف أنه إذا كان هناك رضا أميركي على شكل النظام المقبل، فقد لا يكون التمويل بالضرورة أميركياً، بل ربما يأتي التمويل من الخليج أو عبر استثمارات دولية عامة. بمعنى آخر، عندما تزول الملاحظات الأساسية، تصبح إمكانية تدفق الأموال أكثر واقعية، ولكن إذا استمر الوضع مع بقاء حزب الله مسلحاً، فإن الأميركيين لن يساهموا في تفعيل الاستثمارات في لبنان.
إلى جانب ذلك، أكد يونس أنه لا يمكن تجاهل أن المجتمع الدولي طالب لبنان بتوقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي، لكن منذ أكثر من عامين لم يُنفّذ هذا الاتفاق بسبب الشروط الدولية والعربية للإقراض، وهذه الشروط تشمل تنفيذ إصلاحات، وهو ما لم ينجز لبنان أي خطوة فيه حتى الآن وهذا يشكّل عقبة رئيسية أمام انتعاش الاقتصاد. وأشار إلى أن البنك المركزي اللبناني عاجز عن إعادة هيكلة المصارف، حيث يجب أن تكون المصارف سليمة، ودورة العمل المصرفي مستقرة، لأن أي استثمارات تحتاج إلى قطاع مصرفي فعّال، وهذه المسؤولية تقع على عاتق البنك المركزي.
أما عن الاقتصاد اللبناني، فقال إنه صغير جداً، ويتأثر بالتوازنات بين الولايات المتحدة والصين، وكذلك الاتحاد الأوروبي، مؤكدا أنه في حال وُجدت أي صفقة أميركية-إيرانية، مثل اتفاق نووي أو تهدئة العلاقات بينهما، فإن ذلك سينعكس إيجابياً على لبنان واقتصاده.
مشاركة الخبر: اقتصاد لبنان في عهد ترامب: انعكاسات على الصادرات ودعوات للإصلاح على وسائل التواصل من نيوز فور مي