ضغوط على شولتز للانسحاب خشية خسارة المستشارية الألمانية
يذهب النقاش في ألمانيا، وخصوصاً في أوساط الحزب الاجتماعي الديمقراطي، نحو مزيد من فحص تبديل ترشح المستشار الحالي، أولاف شولتز (66 عاما) إلى المستشارية الألمانية في انتخابات يوم 23 فبراير/شباط المقبل. النقاش لم يعد يقتصر على ما إذا كان شولتز مناسباً للمنصب أم لا، بل امتد إلى احتمالية تسببه بهزيمة الحزب الاجتماعي الديمقراطي أمام يمين الوسط، الاتحاد الديمقراطي المسيحي، إلى جانب تقدم اليمين المتشدد حديث التأسيس على حزبه العريق. توالي الانتقادات الخارجية والداخلية، سواء لناحية تردد شولتز في دعم أوكرانيا بصواريخ توروس الألمانية بعيدة المدى أو لاتصاله بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقبل ذلك لفشله في الحفاظ على توليفته الائتلافية مع الخضر والليبراليين، بات يصب في صالح الأصوات المعارضة لإصراره على الترشح.
ارتفعت أسهم وزير الدفاع بوريس بيستوريوس لكنه أكد عدم عزمه الترشح
انطلق منذ يوم الثلاثاء الماضي، نقاش صعب بين قيادة "الاجتماعي الديمقراطي" حول هذه المسألة، ويدخل على خطّه بعض الشخصيات النافذة والمرموقة في الحزب، ما يعكس غياب وحدة الموقف حول ترشح شولتز. بالنسبة للبعض، فإن فشل شولتز في الحفاظ على الائتلاف الحاكم مع الليبراليين والخضر يكفي وحده لعدم ترشحه، وتعنته يذكّر بإصرار الرئيس الأميركي جو بايدن على الترشح مقابل دونالد ترامب، قبل أن يستجيب "متأخرا" لمطالب الانسحاب من السباق، ويرمي الحمل على نائبته كامالا هاريس.
ذلك السيناريو دفع الثلاثاء الماضي وزير الخارجية الألماني السابق سيغمار غابرييل (65 عاما)، من بين شخصيات أخرى قيادية وبرلمانية في يسار الوسط، إلى تأييد انسحاب شولتز. في المقابل، شدّد المستشار الألماني الأسبق غيرهارد شرودر (80 عاما)، في حديث لصحيفة سوددويتشه تسايتونغ، على أن "أي جدل حول المستشار الحالي واستبداله يضر بالجميع".
في ما يشبه البحث عن بديل لشولتز، ارتفعت أسهم وزير الدفاع بوريس بيستوريوس، باعتباره احتياطيا محتملا لقيادة المستشارية الألمانية بهدف وقف تدهور شعبية "الاجتماعي الديمقراطي" في الاستطلاعات، التي تقول إنه لن يحصد سوى نحو 16%، بينما "الديمقراطي المسيحي" (يمين الوسط) سيحصد ضعف تلك النسبة، أي نحو 32%. ذلك إلى جانب أن اليمين القومي المتشدد في حزب البديل لأجل ألمانيا، سيتجاوز يسار الوسط بتحقيقه نحو 18%. لكن وزير الدفاع الألماني أعلن أخيراً، أنه "غير متاح" لخوض الانتخابات، وقال يوم الخميس في 21 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي، في مقطع فيديو نشره الحزب على موقع يوتيوب: "لست متاحاً للترشح لمنصب المستشار الاتحادي"، تاركاً الطريق خالياً لشولتز. وأضاف بيستوريوس (64 عاما): "لدينا مستشار ممتاز" في إشارة إلى شولتز، الذي أكد بيستوريوس أنه "المرشح المناسب لمنصب المستشارية".
أسباب متداخلة لرفض شولتز
يعتبر المستشار الأسبق شرودر (1998 -2005) أن شولتز وجد نفسه في ظروف عمل صعبة من خلال الائتلاف الحكومي بين ثلاثة أحزاب. مع ذلك، لا يتفق ساسة مخضرمون مع هذه التبريرات، ومنهم الوزير السابق سيغمار غابرييل، المنحاز للتيار المطالب باستبدال شولتز، وعلى أساس أن "الحزب الاجتماعي الديمقراطي مهدد بالهزيمة وخسارة المستشارية الألمانية مع شولتز الذي لا يحظى بشعبية كمرشح أول"، بحسب ما كتب على صفحته في منصة إكس.
انهالت الانتقادات على شولتز بعد اتصاله ببوتين ورفضه السماح لكييف باستخدام صواريخ بعيدة المدى
إذاً، البحث عن "قيادة شجاعة"، بديلة لشولتز، مبرره الخوف من هبوط شعبية "الاجتماعي" الديمقراطي إلى ما دون الـ15% إذا ما أصر على ترشحه. بعد المكالمة بين شولتز وبوتين، يوم الجمعة الماضي، وهي الأولى بينهما منذ ديسمبر/كانون الأول 2022، انهالت الانتقادات على رأس المستشار. قُرئت مكالمته مع سيد الكرملين كرسالة ضعف وتردد، حين دعا بوتين إلى إنهاء الحرب وسحب قواته للتفاوض على السلام "العادل والدائم"، في وقت تتقدم فيه القوات الروسية في شرق أوكرانيا، وتحقق مكاسب على جبهاتها التي تشعر كييف بانهيارات جدية فيها.
تسبب ذلك الاتصال، إلى جانب رفضه إرسال صواريخ توروس لأوكرانيا (فيما كانت إدارة جو بايدن تجيز لكييف استخدام صواريخها البعيدة المدى "أتاكمز" لضرب الأراضي الروسية)، بمشكلة أخرى للرجل، حين أكد أن اتصاله ببوتين "جرى بالتنسيق مع حلفاء ألمانيا الغربيين". لكن سرعان ما تبين عدم صحة التنسيق، ما وسّع رقعة مطالبته بعدم الترشح لقيادة المستشارية الألمانية. فوزيرة خارجية فنلندا، إيلينا فالتونين، ورئيس وزراء بولندا دونالد توسك، انتقدا بوضوح الاتصال، وقول شولتز إنه نسّق ذلك مع الحلفاء. كتب توسك على "إكس"، منتقداً ضمنياً شولتز: "أظهرت كبرى الهجمات في الحرب (الهجوم الروسي الكبير الأخير على البنية التحتية الكهربائية في أوكرانيا) أن الدبلوماسية الهاتفية لن تحل محل الدعم الحقيقي من الغرب بأكمله لأوكرانيا". كذلك فعل الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، الذي اعتبر أن الاتصال "يضع الحلفاء الأوروبيين في صورة سيئة".
بحسب الاستطلاعات، سيتجاوز اليمين القومي المتشدد يسار الوسط بتحقيقه نحو 18% من الأصوات
بالنسبة لخبير السياسات الألمانية الخارجية، روبن فاغنر، فإن المستشار الألماني يستهدف الرأي العام المعارض لتسليح أوكرانيا. وأضاف فاغنر، في تصريحات لمجلة دير شبيغل الألمانية، أن تصرف شولتز بعد فشل ائتلافه الحاكم "يذكّر بحملته الانتخابية السابقة في تقديم نفسه على أنه رجل حريص على المناخ، وبأنه سيكون مستشار المناخ". والآن، برأي فاغنر، يريد المستشار تقديم نفسه من خلال الاتصال ببوتين كـ"رجل سلام" ومستعد لانتهاج الطريق الدبلوماسي والحوار.
وعلى مستوى الداخل، يصطدم تردد شولتز في وجه روسيا بمواقف أحزاب أكثر تأييداً لدعم أوكرانيا عسكرياً. وعلى الرغم من أن "البديل لأجل ألمانيا" وقوى أخرى، يطالبون بوقف انخراط ألمانيا في مواجهة روسيا، تبقى الأحزاب التقليدية الأخرى، بما في ذلك يمين الوسط والليبراليون والخضر وأوساط في الديمقراطي الاجتماعي نفسه، وغيرهم، مؤيدين بصراحة لاستمرار الدعم العسكري لكييف، بما في ذلك عبر صواريخ توروس بعيدة المدى.
ويساهم تعهد شولتز بأنه لو أعيد انتخابه على رأس المستشارية الألمانية بانتخابات فبراير/شباط، فلن يسلّم تلك الصواريخ، في توسع معسكر رافضي ترشحه. وتبقى حجّة المستشار في إبداء الحذر والتردد، هي ذاتها التي تبناها بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022، والتي تتمثل في "عدم استفزاز موسكو والمخاطرة بتوسع الحرب".
بكلمات أخرى، فإن أحزاب الحكم التقليدية في ألمانيا، بما في ذلك تيار في حزب شولتز نفسه، ترى أن سياساته المترددة تضر بمصالح ألمانيا والحلفاء في أوروبا. ذلك بالطبع على الرغم من أن ألمانيا باتت أكبر مورد للأسلحة إلى أوكرانيا بعد الولايات المتحدة، وإن ليس دائماً الأسلحة التي تطلبها كييف.
ملف أوكرانيا حاضر بأزمة المستشارية الألمانية
على تلك الخلفية، وقبل أقل من عام من الانتخابات العامة التي كانت مقررة في سبتمبر/أيلول المقبل، قبل الاضطرار إلى إجراء انتخابات مبكرة في فبراير 2025 (إثر أزمة الائتلاف الحكومي بعد إقالة شولتز وزير المالية كريستيان ليندنر)، اندلع نقاش ألماني حول ما إذا كان من الأفضل لـ"الاجتماعي الديمقراطي" الدفع بوزير دفاعه وزميل شولتز في الحزب، بيستوريوس. وخلال الفترة الأخيرة، توسعت النقاشات حول ضرورة إيجاد بديل لشولتز، والمدعومة بالاستطلاعات غير السارة للحزب.
ومساء الاثنين الماضي، تخلخلت بعض الشيء أرضية ترشح شولتز، حيث كتبت عضو البرلمان الألماني (بوندستاغ) عن حزب شولتز، فيبكه إسدار، رفقة زميلها البرلماني ديريك فايسه، أن "السمعة الحالية للمستشار الاتحادي أولاف شولتز مرتبطة بقوة بائتلاف أحزاب إشارات المرور (تسمية الحكومة الحالية)"، لتأكيد رغبتهما باستبداله بعد الفشل في الحفاظ على الحكم. ومع أن نحو 59% من مصوتي "الاجتماعي الديمقراطي" بحسب استطلاع ألماني، يفضلون استبدال شولتز، يواصل البعض دعم ترشح شولتز كما يفعل القيادي الكبير في الحزب لارس كلينغبيل إلى جانب القيادية ساسكيا إسكين. أمر يُذكّر بمواقف أعضاء ديمقراطيين أميركيين في الوقوف وراء ترشح بايدن، قبل تنازله لهاريس.
ومن المثير للانتباه في أزمة المستشارية الألمانية قبل الانتخابات المبكرة، أنه بعد الخطوة الأميركية بالسماح لكييف باستخدام منظومات صواريخ أتاكمز لضرب العمق الروسي، زادت أحزاب مثل الليبراليين منسوب المزايدة على شولتز باعتبار أن "القضاء على الأهداف العسكرية على الأراضي الروسية أصبح الآن أمراً وجودياً، وذلك سبب آخر للسماح لأوكرانيا بنشر واستخدام الصواريخ طويلة المدى"، بحسب ما صرحت مسؤولة السياسات الدفاعية عن الحزب، ماري ستراك زيمرمان لصحيفة دويتشلاند فونك الألمانية. بالطبع ذلك إلى جانب أن يمين الوسط في "الديمقراطي المسيحي"، المتقدم في الاستطلاعات، يصر على لسان مرشحه إلى منصب المستشار، فريدريش ميرز، على منح كييف تلك الصواريخ.
مشاركة الخبر: ضغوط على شولتز للانسحاب خشية خسارة المستشارية الألمانية على وسائل التواصل من نيوز فور مي