تراجع الأمن الغذائي يهدد حياة آلاف السودانيين بسبب الحرب
تفاقمت أوضاع الأسر التي تعيش وسط منطقة المنطق التي تسيطر عليها مليشيا الدعم السريع في السودان، حيث تراجع الأمن الغذائي إلى حد كبير، كما تراجع الوضع المالي للأسر مع انعدام الدخل وتوقف الرواتب، في ظل الحصار المفروض على تلك المناطق من المليشيا. وأدت الحرب المستمرة بين مليشيا الدعم السريع وقوات الجيش في السودان إلى سقوط ضحايا، ليس بسبب العمليات العسكرية فقط، بل أيضا بسبب سوء التغذية الحاد وسط الأطفال وكبار السن، وارتفع معدل الوفيات في ظل توقف المساعدات الإنسانية، وتوطّن وبائيات جديدة قادت النازحين إلى أوضاع كارثية.
كما أدى فشل الموسم الزراعي بولاية الجزيرة وتدمير البنى التحتية القليلة التي كانت متوفرة في ظل انعدام أي وسيلة للتواصل مع العالم أو الولايات الأخرى إلى تفاقم الأوضاع. وقالت المواطنة حليمة أبكر، التي تسكن إحدى قرى ولاية الجزيرة: "إننا نعيش بلا مياه أو كهرباء أو عمل أو اتصالات". وأكدت أن ابنتها ذات الثلاثة أعوام تعاني من سوء التغذية بسبب الوضع الحالي.
وما يزيد من قلق أبكر وفاة أطفال بسبب سوء التغذية في الخرطوم وغيرها من الولايات السودانية، آخرهم 3 أطفال في المستشفى التركي بالخرطوم. وقالت غرفة طوارئ الكلاكلات جنوب العاصمة، إن هذه الحوادث "تمثل علامة مقلقة على تدهور الوضع الصحي في المنطقة، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية والبيئية الصعبة التي تعاني منها، كما أن انقطاع التيار الكهربائي له تأثير كبير على القطاع الصحي، حيث توفي ستة أطفال آخرين، بسبب توقف أجهزة الأكسجين والحضانات".
وتعيش مناطق في دارفور أوضاعا مماثلة، حيث يعاني مواطنو الإقليم الذين نزحوا إلى معسكرات الإيواء من انعدام الرعاية الصحية، ونتيجة لذلك نشرت إدارة المعسكرات عن وفاة أكثر من 70 طفلا نتيجة لسوء التغذية، مع عدم توفر الحاجيات الأساسية من غذاء وماء ودواء.
وأوضح المتحدث باسم المنسقية العامة للنازحين واللاجئين آدم رجال، في وقت سابق من الشهر الجاري، أن "حالات سوء التغذية الحاد في معسكرات منطقة مكجر وصلت إلى 450 حالة وسط الأطفال". وأضاف أن "سوء التغذية الذي انتشر بسبب الجوع لا يزال يشكل تحديا صحيا، مما يتطلب بذل مزيد من الجهود من الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لوقف الحرب، وبناء استراتيجيات فعالة وتدابير وقائية للحد من تفشي المجاعة وإنقاذ أرواح المتضررين". كما أن ولاية جنوب كردفان ليست بعيدة عن الأحداث المأساوية التى تعيشها بقية الولايات، حيث لا تتوفر فيها أبسط مقومات الحياة، بسبب ندرة السلع والمواد الغذائية. وتقول المواطنة آسيا محمد سعيد، إن ابنها حديث الولادة "يعاني من فقدان الوزن وانخفاض في الدم وتدهورت حالته الصحية بشكل يومي نتيجة لانعدام التغذية التامة للأمهات الحوامل والأطفال، فضلا عن صعوبة الوصول إلى العلاج أو تدبير قيمته المالية نظرا للظروف الحالية".
تزايد معدلات تدهور الأمن الغذائي في السودان
ووفقا لتقرير حديث لمنظمة الفاو، فإن اقتصاد السودان يعتمد بشكل كبير على الزراعة، إذ يعمل حوالي 65% من سكانه في هذا القطاع. وبسبب استمرار النزاع، جرى تقييد الإنتاج الزراعي وتضرّرت البنية التحتية الرئيسية وسُبل العيش، وتعطّلت التدفقات التجارية، وارتفعت الأسعار بشكل كبير. وإضافة إلى ذلك، جرى تقييد وصول المساعدات الإنسانية، ممّا أدى إلى نزوح واسع النطاق. وامتد النزاع الآن أيضا إلى ولاية الجزيرة، التي تنتج حوالي 50% من القمح، و10% من الذرة الرفيعة، وهي المحاصيل الأساسية للبلاد.
وقال المدير العام المساعد لمنظمة الأغذية والرزاعة (الفاو) والممثل الإقليمي عبد الحكيم الواعر، في تصريح صحافي حديث، إن وضع الأمن الغذائي في السودان مقلق جدا، وأضاف أنه "بحسب التحليل المرحلي المتكامل، فإن أكثر من نصف سكان السودان يواجهون أزمة في الأمن الغذائي". وأوضح المسؤول الأممي أن 25 مليون سوداني في مرحلة تدهور الأمن الغذائي، منهم 8.5 ملايين في مرحلة الكارثة والطوارئ، وحوالي مليون شخص في مرحلة أزمة انعدام الأمن الغذائي الحاد.
ويرجع الواعر تفاقم أزمة الغذاء في السودان إلى انتشار رقعة الصراع، إضافة إلى زيادة الأمطار الغزيرة هذا الموسم التي تسببت في ارتفاع معدل الفيضانات، والتي جعلت الوصول إلى العديد من المناطق صعبا جدا أو شبه مستحيل. وقالت دراسة حديثة مشتركة بين برنامج الأمم المتحدة الإنمائي والمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، إن أزمة النزاع السوداني أضافت أعباء جديدة للأسر التي كانت تعاني في الأصل من تحديات، حيث ارتفعت نسبة الأسر الحضرية بلا دخل إلى 18% من 1.6% قبل النزاع، ومعدل البطالة المتوقع من المرجح أن يتجاوز 45% بنهاية العام الحالي.
كما بلغ معدل نسبة سوء التغذية الحاد 13.6%. ونصف سكان المناطق الحضرية يعانون من انعدام الأمن الغذائي، و56% من الأسر شهدت تدهورا في صحتها، مع تراجع الوصول إلى الخدمات الصحية إلى 78% من 15.5%. وقالت الدراسة إن 88% من الأسر شهدت خروج طفل واحد على الأقل من المدرسة، وانخفضت نسبة الأسر التي تحصل على المياه من 72.5% إلى 51.6%، بالإضافة إلى تأكيد 90% من الأسر تدهور إمدادات الطاقة الكهربائية في ظل تهجير 31% من الأسر الحضرية، وأيضا انخفضت معدلات التوظيف إلى النصف، كما أن 76 % من السكان لم يتلقوا أي مساعدات. وأوضح خالد صديق، الباحث في المعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية، أن النزاع الحالي يزيد من تفاقم انعدام الأمن الغذائي، حيث انخفضت نسبة الأسر الحضرية الآمنة غذائيا من 54% إلى 20%.
مشاركة الخبر: تراجع الأمن الغذائي يهدد حياة آلاف السودانيين بسبب الحرب على وسائل التواصل من نيوز فور مي