عندما يتحول المهبل إلى "جدار منيع" بوجه الجماع
منذ الليلة الأولى، التي تُعرف بـ "ليلة الدخلة"، لم تفلح جميع المحاولات التي بذلها طارق (اسم مستعار) لجعل شريكته تستمتع بالعملية الجنسية، فلا الموسيقى الهادئة ولا أضواء الشموع ولا الكلمات الناعمة تمكنت من تبديد قلق ليال (اسم مستعار)، جعلها تسترخي وتطلق العنان لرغباتها.
مرت الأيام وتوالت الشهور، وكان الزوج في كل مرة يشعر أثناء العملية الجنسية وكأنه يصطدم بـ "جدار" غير قابل للسقوط وبحاجز منيع يمنعه من الاستمرار، أما شريكته فكانت تشعر بالخجل وتلوم نفسها على الخوف غير المبرر من العملية الجنسية، وتحديداً من فكرة الإيلاج، رغم انها لم تكن تعاني من برودة جنسية على الإطلاق، بل على العكس كانت تشعر بالإثارة إلا أن الخوف كان يكبلها.
في إحدى المرات قررت هذه الشابة البالغة من العمر 29 عاماً، إجراء فحص روتيني عند الطبيب النسائي، وهنا كانت "الكارثة الكبرى"، كما وصفت لرصيف22: "طلب مني الحكيم إشلح، وحط إجر على اليمين والتانية على الشمال، ومسك آلة بيضاء وجرب يدخلها بس أنا كنت كتير متوترة وخايفة، جرب كذا مرة بس ما قدرت أتحمل، بالآخر عملي eccho من البطن وخبرني إنو يلي عم بصير معي هو vaginismus (تشنج مهبلي)".
الجنس... من اللذة إلى الألم
في العادة يتم ربط الجنس باللذة والرضا والمتعة، غير أن الشعور بالانزعاج أثناء ممارسة الجنس هو أمر شائع بالنسبة للعديد من النساء، بحيث يكون الألم لديهنّ شديداً لدرجة تحول دون إكمال العملية الجنسية والوصول إلى النشوة عبر الإيلاج، رغم رغبتهنّ في ذلك.
هذه الحالة يطلق عليها اسم "التشنج المهبلي"، وهي، بحسب القابلة القانونية فرح كنج: "عبارة عن انقباض وتشنجات لا إرادية في عضلات قاع الحوض المحيطة بمدخل المهبل، ما يجعل الإيلاج مؤلماً بشكل رهيب ومستحيلاً في الكثير من الأحيان".
وأوضحت كنج لموقع رصيف22 أن التشنج المهبلي قد يكون إما أولياً أو ثانوياً: "يحدث التشنج المهبلي الأولي عندما تلاحظ المرأة أنها غير قادرة من الأساس على ممارسة الجنس، أما التشنج المهبلي الثانوي فيعني أن المرأة كانت قادرة في السابق على ممارسة الجنس بشكل عادي، إلا أنها، ولأسباب طبية أو نفسية، لم تعد قادرة على ذلك".
وتحدثت فرح عن بعض الأسباب التي تقف وراء الانقباض اللاإرادي لعضلات المهبل، كالخوف والتوتر: "الخوف بيولّد وجع، فأوقات المرأة بتكون خايفة من العلاقة الجنسية لدرجة إنو بتنوجع قبل ما يصير أي شي، بالإضافة للتوتر والـ Stress (الإجهاد)"، مشيرة إلى أن بعض المفاهيم الخاطئة التي تسمعها المرأة قد تجعلها تخشى العملية الجنسية: "بيخبروها مثلاً إنو الـ sex رح يكون كتير مزعج وبيوجع وبخوف".
وأشارت كنج إلى أن المرأة التي تعاني من التشنج المهبلي تدور في حلقة مفرغة: "بتكون كتير tight (مشدودة) ما بتقدر تعملsex وبتتوجع، وعالوجع بيزيد عندها الخوف، بيرجع بيشدو عضلاتها أكتر... بتحس في خوف وخطر وبيكون جسمها كأنو عم بيحاول يحميها".
وبحكم خبرتها في مجال تقوية عضلات الحوض، كشفت فرح عن أهمية استخدام المزلقات المائية وزيت جوز الهند، بالإضافة إلى الـ dilators (الموسعات) التي تكون على شكل العضو الذكري وبمقاسات مختلفة، لمساعدة المرأة على التأقلم شيئاً فشيئاً مع فكرة الجماع: "ننصح هؤلاء النساء في البداية باستخدام المقاس الأصغر من الموسعات، بالطبع مع تتبع الإرشادات الطبية".
هذا وأشارت كنج إلى أهمية نشر الوعي، خاصة وأن مشكلة التشنج المهبلي شائعة، وقد تؤثر على علاقة الثنائي وحتى على عملية الولادة في وقت لاحق.
بناء الثقة وتعزيز التواصل
في العادة، تكتشف المرأة أنها تعاني من التشنج المهبلي عندما تحاول ممارسة الجنس لأول مرة، فتشعر وكأن جسمها لا يطاوعها وغير مستعد للإنصات لرغباتها الداخلية، وتصبح عملية الإيلاج مستحيلة بسبب انقباض عضلات المهبل بشكل لا يسمح للعضو الذكري بالدخول.
وبالمقابل، قد تكون العملية الجنسية طبيعية لحين تتعرض الأنثى في وقت لاحق لتجربة جنسية مؤلمة، الأمر الذي يولد لديها مخاوف من عملية الإيلاج، فتنقبض عضلات المهبل تلقائياً، ما يصاعد حدة الألم عند محاولة الجماع، وبالتالي تمتنع عن ممارسة أي نشاط جنسي يتضمن الإيلاج.
في حديثها مع موقع رصيف22، أوضحت الدكتورة مها نصر الله، معالجة نفسية متخصصة في العلاقات الزوجية والجنسية، أنه في العادة، وبهدف تشخيص التشنج المهبلي، يجب أن تتوافر معايير معيّنة تحدث عنها الدليل التشخيصي الإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM).
ولكن من جهتها، كشفت نصر الله أنه في حال كانت المرأة تعاني من مشكلة ما تؤثر سلباً على حياتها وعلى علاقتها الجنسية، فهذا يعتبر لوحده كافياً للبحث في سبل العلاج، بمعزل عن التشخيص الرسمي للحالة.
من هنا نصحت مها السيدات اللواتي يعانين من مشكلة جنسية ما كالتشنج المهبلي، بضرورة استشارة أخصائي/ة قبل أن تتفاقم المشكلة ويصبح الجنس في ذهنهنّ مقترناً بالألم: "إذا حاولت المرأة ممارسة الجنس أكثر من مرة على فترة أسابيع وشهور، وباءت جميع المحاولات بالفشل بسبب الشعور بالألم والخوف الذي من المفترض أن يسبب لها ألماً أكثر في المرة القادمة، فعندها يجب عليها اللجوء إلى شخص مختص، لأن المشكلة قد تتفاقم مع الوقت، والشعور بالخوف من العملية الجنسية قد يزيد، الأمر الذي يجعل الأنثى تمتنع عن ممارسة الجنس بشكل نهائي".
وأوضحت نصر الله أن التشنج المهبلي لا يقتصر فقط على العملية الجنسية، بحيث تنجح بعض النساء مثلاً في ممارسة العلاقة الحميمية، إلا أنهنّ يعجزن عن وضع سدادات قطنية أو الخضوع لفحص مهبلي، من هنا شددت على أن الهدف من معالجة مشكلة التشنج المهبلي هو مساعدة النساء على الاسترخاء، وتعزيز الثقة بالنفس تجاه المناطق التناسلية والحميمية، بشكل يسمح لهنّ بعيش حياة صحية.
وعن الطرق التي من شأنها تقليل تقلص عضلات المهبل أثناء الجماع، أشارت مها إلى أنها، وعلى الصعيد الشخصي، تفضل مقاربة الأمور ومعالجة المشكلة من خلال مجموعة من التقنيات والتمارين التي تهدف بشكل رئيسي لمساعدة المرأة على الشعور بالراحة مع جسدها: "يجب أن تتعرف المرأة في البداية على جسدها وعلى أعضائها التناسلية عبر المرآة، وأن تصبح مرتاحة مع فكرة لمس هذه الأجزاء الحميمية بمعزل عن الجنس".
وشددت نصر الله على ضرورة أن يحدث كل ذلك بشكل تدريجي، كأن تقوم المرأة على مدار عدة أسابيع وحتى أشهر، بإدخال طرف إصبعها داخل المهبل حتى تتمكن في وقت لاحق من إدخال إصبعها بالكامل، وبعدها إصبعين، لحين تشعر بأنها مستعدة لتجربة ذلك مع شريكها، بالإضافة إلى القيام بتمارين التنفس والاسترخاء.
وأوضحت مها أن الهدف من هذه التمارين هو جعل المرأة تربط ما بين عملية الإيلاج والإحساس بالاسترخاء، ناهيك عن الشعور بالإثارة: "يجب أن تشعر المرأة بالإثارة والاسترخاء بهدف حدوث الإيلاج بدون ألم"، مشددة على ضرورة أن يركز الثنائي على المداعبة لبناء الثقة وتعزيز التواصل، لكي يعتاد الطرفان جنسياً على بعضهما البعض، ويتمكنا من خلق أجواء مثيرة ومريحة من خلال اللمس قبل الإيلاج.
وبعدما تشعر المرأة بالراحة التامة مع فكرة الإيلاج، فعندها يمكن أن تعتمد النهج نفسه لناحية السماح لشريكها بادخال العضو الذكري بشكل تدريجي، مع التركيز على إبقاء شعلة الإثارة، والتأكد من أن الأمور تجري بالوتيرة التي تريدها وبالطريقة التي تناسبها، بحسب ما أكدته مها: "يجب على المرأة أن تثق بشريكها وأن تشعر بالأمان وبأنها متحكمة بزمام الأمور، وذلك لكي تتمكن من الاسترخاء، من هنا ضرورة بناء علاقة آمنة ووطيدة وصحية مع الشريك... لازم جسم المرأة يكون مجهز للجنس".
وفي الختام، شددت مها نصر الله على ضرورة إجراء هذه التمارين بالتدريج وتحت إشراف أخصائي/ة، وذلك لعدم تأزيم المشكلة وزيادة المخاوف: "لا نريد ربط التجارب السلبية بالجنس".
الاستنزاف النفسي
في الواقع، إن مجرد التفكير في العملية الجنسية يمكن أن يؤدي إلى مشاعر متداخلة من الإحباط والإحراج والارتباك لدى النساء اللواتي يعانين من التشنج المهبلي، وبسبب الشعور بالخجل والعار يمتنع بعضهنّ عن طلب المساعدة.
ونظراً لكون التعايش مع التشنج المهبلي يمكن أن يكون مؤلماً جسدياً ومستنزفاً عاطفياً ونفسياً، يأتي دور الأخصائي/ة في الصحة النفسية، للمساعدة في الكشف عن العوامل النفسية التي قد تؤثر على حياة المرأة الجنسية، وتقديم النصائح التي تساعدها على الاسترخاء والراحة قبل الجماع وأثناءه.
في حديثها مع موقع رصيف22، أوضحت الأخصائية في علم النفس لولوا كالويروس، أن التشنج المهبلي هو عبارة عن تشنج في عضلات المهبل وعدم القدرة على إدخال أي شيء داخل المهبل، كالإصبع أو السدادات القطنية أو حتى آلة الفحص التي يستخدمها الأطباء لمعاينة المنطقة الحساسة، وذلك بسبب تشنج العضلات، الأمر الذي يسبب الألم واستحالة القيام بأي نشاط جنسي.
واعتبرت لولوا أنه عند الحديث عن أي عملية جنسية تتضمن الإيلاج، يجب توافر عاملين رئيسيين: ليونة في العضلات وlubrification (تزليق) من خلال إفراز سوائل تسهل عملية إدخال العضو الذكري لتجنب حدوث الألم والتقرحات، بالإضافة إلى الشعور باللذة، أما عندما تقترن اللذة مع الألم، فعندها يصبح هناك رفض من قبل المرأة للانخراط في العملية الجنسية.
وبحسب كالويروس، فإن التشنج المهبلي هو من الاضطرابات الجنسية المعقدة، وذلك لعدم وجود أحياناً أسباب مباشرة، كما قد لا تكون هناك مشكلة عضوية وفيزيولوجية، إنما نفسية بحتة: "مش بس في عنا حالة جسدية مش مريحة، بالأغلب في أسباب مبنية على الماضي أو الحاضر".
وكشفت كالويروس أن العلاج النفسي الجنسي في هذه الحالة قد يسلك مسارين: "إما معالجة التشنج المهبلي بشكل آني ومساعدة المرأة على ممارسة الجنس بشكل طبيعي من دون ألم وخوف، أو معالجة المشكلة بعمق والذهاب أبعد من الحالة نفسها، من خلال الغوص في الخلفيات والأسباب الرئيسية التي تقف وراء التشنج المهبلي".
واللافت أنه في بعض الأحيان تقع المرأة "ضحية" تجربة جنسية عنيفة حصلت لها في مرحلة ما من مراحل حياتها، سواء كان ذلك التعرض للاغتصاب أو التحرش الجنسي طويل الأمد، والذي يكون بطبيعة الحال خارجاً عن رغبتها، ما قد يخلق لديها ردة فعل فيزيولوجية تدفعها للامتناع عن التجاوب مع العلاقة الجنسية.
وفي حين أن هذه التجارب قد تكون حصلت للمرأة في سن مبكر، إلا أن التشنج المهبلي قد يكون أيضاً وليد "علاقة غير سعيدة مع الشريك الذي لا يتفهمها ولا يتفهم جسمها، ويكون همه الوحيد إرضاء رغباته الشخصية"، بحسب لولوا.
وفي سياق متصل، تحدثت كالويروس عن الدور الذي تلعبه الموروثات الثقافية لجهة تخويف المرأة من الجنس، وجعلها تكره جسدها وتكبت رغباتها: "بعض المجتمعات بتنظر لجسد المرأة وكأنه (نجس) وبتعتبر العملية الجنسية (خطيئة) وإنو الجنس بس موجود لإنجاب الأولاد".
وأوضحت لولوا أن زرع مثل هذه الأفكار والمفاهيم الخاطئة في رأس الفتاة، يجعلها تكره جسمها وتخاف من اللذة وتختبر نوعاً من الرفض من قبل جسمها، بخاصة وأن القلق والخوف هما من العوامل التي تحول دون الوصول إلى عملية جنسية ناجحة أو سليمة: "بسبب الخوف لن يكون هناك أي نوع من الليونة في العضلات، والخوف من الوجع ومن العلاقة الجنسية رح يزيد هالحالة الجسدية يلي رح ترجع تمنعها إنو تتقبل أي علاقة جنسية، وهيك بتصير عم بتدور بحلقة مفرغة".
وشددت كالويروس على ضرورة أن تكون المرأة مدركة لجسمها ولديها الرغبة والشجاعة للتحدث مع أخصائي/ة بهذا الموضوع: "لسوء الحظ، بأغلب الأوقات بيكون في عندها جهل لحالتها الصحية والجسدية وخجل وإهمال... أوقات منكتشف التشنج المهبلي من خلال وجودها في العيادة لحالة أخرى، مثل الاكتئاب أو القلق".
وركزت لولوا على أهمية التثقيف الجنسي وربط الجنس باللذة: "يجب على المرأة أن تتعلم كيف تحب جسمها وترتاح مع نفسها، بالإضافة إلى تثقيفها جنسياً، وأن تدرك جيداً بأنه لديها الحق في الاستمتاع بالعلاقة الجنسية"، هذا وختمت حديثها بالتذكير بالقول: "أحد أهم أسرار نجاح العلاقات الحميمية بين شخصين هو التمتع بحياة جنسية صحية وسليمة".
المصدر: رصيف 22
مشاركة الخبر: عندما يتحول المهبل إلى "جدار منيع" بوجه الجماع على وسائل التواصل من نيوز فور مي