ابن مريح
سمع رجل مثلاً يقول: ليس على الدنيا مستريح إلا ابن مريح. فقال: لا بد أن أذهب لابن مريح هذا واقف على سر سعادته.. وكانت بلدة ابن مريح بعيدة فشد الرحال وسار إليها أياما، فلما أصبح قريبا من البلدة نام ليلته تلك وقال: لا بد أن أهيئ نفسي قبل الذهاب إليه، وفعلا أخذ استعداده في صباح ذلك اليوم حيث لبس ثيابا لائقة وتوجه إلى قصر ابن مريح، وحينما أشرف على القصر رأى جمعاً غفيراً من الناس حوله فقال في نفسه لا شك أن ما سمعته عنه حقيقة فهذه الجموع إنما جاءت لأخذ العطاء والإحسان، ألم يقل الشاعر:
يسقطُ الطَّيرُ حيثُ ينتثر الحبُّ
وتُغشى منازلُ الكرماءِ
وحينما وصل واختلط بالناس شاهد رجلاً يقف على أحد أبراج القصر ومعه غلام صغير وشاهد رجلا آخر وسط هذه الجموع يرفع إليه يديه ويستجديه ويستعطفه ويحلف له بالإيمان بأنه سيجعله من أغنى الناس وأسعدهم إذا أنزل الغلام سليماً، وكان الرجل الذي يحمل الغلام هو عبده المملوك الذي أخذ يرد عليه بقوله: أنسيت أنك سبب حرماني من الأولاد حيث ألغيت رجولتي، أنسيت أنك جعلتني مثل النساء وحرمتني من متعة الأبوة، ثم إنه قذف وطوح بالغلام فما وصل الأرض إلا وهو جثة هامدة وظل لحظات وهو يستمتع بتشفيه وانتقامه ثم أنه ألقى بنفسه فمات من فوره..
هذه الأسطورة إنما هي لتبين أنه لا يوجد في هذه الدنيا سعادة كاملة وأن المال والجاه ليس سببا مطلقا في السعادة.. فكم من رجل يعيش على الكفاف تجده أكثر سعادة من الأغنياء وأصحاب الأموال، فالسعادة الحقيقية تكمن في الرضا بما قسم المولى، فكم من أصحاب قصور وأموال وخدم وحشم يعيشون على الحمية! وربما على المهدئات والمنومات، وكم من البسطاء ينامون نوما هنيئا! ويأكلون أكلا مريئا ويضحكون ويمرحون قد رضوا بما قسم الله لهم دون شحناء أو بغضاء أو تكالب على المال... وتلك قسمة الله في خلقه.. فأولئك الذين لا يملكون المال قد يملكون الصحة والسعادة، وأولئك الذين تفيض البنوك بأموالهم قد يفتقدون الصحة والسعادة والاستمتاع بالطعام والنوم.. وقد قيل قديماً: إن الكرات الثلاث لا تجتمع في كف واحدة وهم يقصدون السعادة والصحة والمال.. وتلك قسمة المولى في خلقه فجعلكم الله سعداء أصحاء أينما كنتم..
مشاركة الخبر: ابن مريح على وسائل التواصل من نيوز فور مي