كيف نختم رمضان

فضل الله تعالى شهر رمضان على سائر شهور العام، رحمة منه بالعباد ليكون عوناً لهم على الزيادة في العمل الصالح والرغبة في الطاعة، وتجديد النشاط ليحظى المسلم بنصيب كبير من الثواب، فيتأهب للموت قبل قدومه ويتزود ليوم الحساب.

 وميز الله تعالى الشهر الكريم، وخصه بليلة مباركة أفضل من ألف شهر، يعتبر العمل والبذل والاجتهاد فيها خير من العمل والاجتهاد في ألف شهر، وهذا فضل عظيم، والسعيد من وفقه الله - سبحانه وتعالى- فى اغتنامها ليحظى بفضلها ونعيمها، ومن قامها إيمانا واحتسابا غفر له ماتقدم من ذنبه.

وسميت بليلة القدر بسبب عظيم قدرها وشرفها، ولقد أنزل الله فيها القرآن، ولهذا علينا أن نتذكر فيها نعمة الله علينا بإنزاله القرآن الذي فيه هدى للناس، وبسبب ثوابها الذى ليس له مثيل، يجب أن يضحي المسلم بمشاغل الدنيا من أجل الظفر بثوابها حيث يضاعف الله فيها العمل الصالح القليل، ليكون خيرا من ألف شهر، ويعوض فيها الله بهذا قصر مدة أعمار أمة محمد صلى الله عليه وسلم مقارنة بأعمار من سبقهم من الأمم.

وبسبب فضلها على المسلمين قال عنها ابن تيمية، رحمه الله: ليلة الإسراء أفضل في حق النبي، صلى الله عليه وسلم، وليلة القدر أفضل بالنسبة إلى الأمة، وينزل في هذه الليلة جبريل ومعه الملائكة إلى الأرض يؤمنون على دعاء الناس إلى وقت طلوع الفجر.

أما الدعاء المستحب فيها، فقد روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قلت: يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة القدر ما أقول فيها, قال: (قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني) رواه الترمذي.

فإذا عفا الله عنك، أفلحت، ونجوت، وسعدت، يقول إبن القيم رحمه الله :إذا كنت تدعُو  وضاق عليك الوقت، وتزاحمت في قلبك حوائجك، فاجعل كل دُعائك أن يعفو الله عنك، فإن عفا عنك أتتك حوائجك من دون مسألة.

وهذا الدعاء يغنى عن كل دعاء، حيث أن طلب العفو من الله أوسع وأشمل من طلب المغفرة، فبينما يعنى طلب المغفرة: أن يسامحك الله على الذنب ولكنه سيبقى مسجلاً في صحيفتك. أما العفو : فهو مسامحتك على الذنب مع محوه من الصحيفة وكأنه لم يكن.

ويتضمن العفو، أولا: عفو في الأبدان والشفاء من كل داء، وثانيا: عفو في الأديان، ويشمل توفيقك في الخير، والعبادة، والطاعات وكل أعمال الآخرة، وثالثا: عفو من الديان الكريم المنان بمحو الذنوب .

وقد نقل الصحابة ثم العلماء عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه ينبغي تحريها في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك، ومن وحي السُنة النبوية الشريفة يمكن تحديدها بأنها إحدى ليالي الوتر الخمس والتي تبدأ بليلة الحادي والعشرين من رمضان وتنتهي في ليلة التاسع والعشرين، وما بينهما من ليلة الثالث والعشرين وليلة الخامس والعشرين وليلة السابع والعشرين.

وقد عرف الصحابة قدر هذه الليلة وفضلها العظيم، وسألوا عن موعدها تحديدا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، والذي كاد يخبرهم بموعدها ويحددها لهم، حيث كان قد علم بوقتها من سيدنا جبريل، عليه السلام، إلا أنه بسبب شجار حدث بين بعض الصحابة رُفعت عنه معرفتها بالتحديد.

كما ذهب العلماء أن الحكمة من إخفاء ليلة القدر تظهر في أن الله سبحانه وتعالى أراد من عباده الاجتهاد في العبادة والطاعة في جميع الليالي العشر الأخيرة من رمضان، والسعيد من اغتنم الفرص وتقرب إلى مولاه بالعمل الصالح والطاعات عسى أن تصيبه نفحة يسعد بها ويأمن بعدها من النار، وبالتالي لا تبحثوا عن ليلة القدر من أجل الصلاة فحسب، بل إبحثوا عنها في رضا أب وأم في صلة رحم وإطعام مسكين ورفع مظلمة وكفالة يتيم ومساعدة مريض.

وقد حثنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على اغتنام هذه الفرص والأوقات المباركة في العمل الصالح حتى آخر لحظة في العمر، وهذا معنى قول النبي، صلى الله عليه وسلم: "إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل". رواه الإمام أحمد.

ويشمل العمل الصالح كل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة لصالح الفرد والمجتمع والوطن، سواء كانت من أعمال القلوب أوأعمال الجوارح. نسأل الله أن يبلَغنا ليلة القدر، وأن يعيننا على ذكره، وشكره، وحسن عبادته، ويجعلنا من الفائزين بصيام رمضان.

مشاركة الخبر: كيف نختم رمضان على وسائل التواصل من نيوز فور مي