"طرق الموت".. أحدث شظايا الأزمة اللبنانية
بيروت / نعيم برجاوي / الأناضول
تخطت تداعيات الأزمة في لبنان حدود الانهيار المالي والمعيشي، وباتت شظاياها تهدد معظم أوجه الحياة، ولعل أحدثها تدهور حالة الطرق التي شهدت تزايدا في الحوادث حتى باتت تعرف بـ"طرق الموت".
وبات "الموت المتنقل" يحصد الأرواح بين المدن والشوارع، بسبب تدهور البنى التحتية للطرقات، وزيادة حوادث السير.
وكنتيجة لتراكم الأزمات في البلاد منذ أواخر 2019، تدنت السلامة المرورية من سُلم اهتمامات المسؤولين، في ظل عدم توفر الأموال المخصصة لهذا الغرض.
57 قتيلاً و400 جريح في يونيو
وللدلالة على هذا الواقع المأساوي وترديه يوماً بعد آخر، سجل يونيو/ حزيران الماضي رقماً قياسياً في عدد ضحايا حوادث السير بلبنان خلال السنوات الخمس الماضية.
وبحسب إحصائية أعدها فادي الصايغ الناشط في "جمعية حقوق الركب والنقل المستدام"، بلغ عدد الوفيات جراء حوادث السير في يونيو الماضي، 57 شخصا وهو أعلى عدد يُسجل خلال شهر واحد منذ 2017.
كما بلغ عدد الجرحى في هذا الشهر نحو 400 شخص، أما جمالي عدد وفيات حوادث السير في النصف الأول من عام 2021 فبلغ 208 والجرحى 2001 جراء وقوع 1632 حادثاً خلال الأشهر الستة الماضية.
أسباب عدة تجعل من الطرقات في لبنان تهدد حياة سالكيها، أبرزها انعدام الصيانة وكثرة الحفر فيها، فضلاً عن سوء الإضاءة وتوقف إشارات المرور، حسبما أكده خبراء ومواطنون للأناضول.
اختفاء مقومات السلامة المرورية تدريجياً
وقال كامل إبراهيم الخبير في إدارة السلامة المرورية إن الأزمة المالية والاقتصادية في لبنان أثّرت سلباً على السلامة المرورية، محذراً من اختفاء مقوماتها تدريجياً.
وأضاف أن أبرز ذلك التأثير، عدم تجهيز وصيانة الطرقات، وسوء الإنارة ليلاً وانعدامها في الأنفاق، وتعطل إشارات المرور لا سيما في العاصمة بيروت والمناطق المحيطة فيها.
وشهدت بعض الأنفاق المعتمة في شوارع بيروت حوادث مرورية مؤخراً أدت الى وقوع إصابات، وبحسب تقارير خبراء ووسائل إعلام فإن انعدام الإضاءة كان سبب وقوع تلك الحوادث.
وأردف إبراهيم أن هذا الواقع لم نشهد مثيلاً له منذ 20 عاماً، مبدياً خشيته من ارتفاع معدلات حوادث السير وضحاياها في الفترة المقبلة في ظل عدم معالجة الأسباب وراء ذلك.
الانهيار المالي عطّل صيانة الطرقات
وكشف إبراهيم أن الانهيار المالي انعكس سلباً على التجهيزات والأعمال المتعلقة بالسلامة المرورية، لناحية صيانة الطرق وتنظيم حركة السير، مشيرا في الوقت عينه إلى غياب هذا الملف عن اهتمامات الحكومة تصريف الاعمال الحالية.
ويعاني لبنان أزمة اقتصادية تعد الأسوأ في تاريخه الحديث، أدت الى تراجع غير مسبوق باحتياطي العملات الأجنبية، وفقدان الليرة اللبنانية أكثر من 90 % من قيمتها مقابل الدولار الأمريكي.
ولفت المتحدث الى أن تدهور القدرة الشرائية للمواطنين يدفع كثير منهم الى استخدام وسائل نقل أكثر خطورة من السيارات، كالدراجات النارية، أو تحولهم إلى مشاة، وهي الفئة الأكثر عرضة للحوادث المرورية بنسبة تبلغ 35 %.
"التقاطعات تحولت الى حلبة مصارعة بسبب غياب إشارات المرور".. هذا ما قاله المواطن خليل عاربيد في إطار حديثه عن معاناته اليومية خلال تنقله في شوارع بيروت، وما يسبب ذلك من حوادث سير وإشكالات بين المواطنين.
ولفت في حديثه للأناضول إلى أن المعاناة في لبنان اصبحت كبيرة جداً في كل المجالات، مشيراً إلى أن عدم صيانة الطرقات بات يسبب أيضاً ضرراً بسيارات المواطنين الذين يعجزون عن تصليحها بسبب غلاء الأسعار.
إطار السيارة يفوق الحد الأدنى للأجور
وأعطى عاربيد مثالاً بأن سعر إطار السيارة أصبح يبلغ نحو مليون ليرة لبنانية (نحو 57 دولار) أي أكثر من الحد الأدنى للأجور بنحو 325 ألفا، مردفا: "نحن شعب مكافح لكن ليس إلى هذا الحد.. لقد تعبنا".
ويبلغ الحد الأدنى للأجور في لبنان 675 ألف ليرة، حيث كان يساوي قبل الأزمة الاقتصادية 450 دولاراً، إلا أن الحكومة لم تعدله بعد على الرغم من انهيار الليرة اللبنانية حيث أصبح يساوي نحو 40 دولاراً.
من جهته، قال المواطن مفيد رباح إن "الطرق غير مناسبة للسير ووعرة وغير آمنة"، متسائلاً "كيف يمكن للسيارات أن تسير وسط الحفر المنتشرة هنا وهناك من دون وقوع حوادث؟".
وأضاف أننا نشهد فوضى مرورية وسط تعطل الإشارات، وإن كان شرطي السير التابع لقوى الأمن الداخلي يحاول تنظيم حركة المرور، لكن اعتقد ان مهمته صعبة جداً هذه الأيام.
بدوره شكا "طليع أبو رافع" وهو سائق سيارة أجرة من تدهور الأحوال المعيشية لسائقي الأجرة كمعظم اللبنانيين، مشيرا الى أن سوء حال الطرقات يساهم في تكبدهم خسائر هائلة نتيجة الأضرار التي تلحق بمركباتهم.
وأضاف أنه يشعر "بأن الدولة لم تعد تسأل عن شعبها"، مشيرا إلى أن "الوضع المعيشي لم يعد يحتمل ولا قدرة لدينا على إصلاح مركبتنا في حالة تعطلت او وقع حادث سير، بعدما انهارت قيمة عملتنا".
وككثير من السلع المستوردة، ارتفعت أسعار قطع السيارات بشكل كبير بالعملة المحلية، في وقت انهارت القدرة الشرائية لمعظم السكان وارتفعت معدلات الفقر الى مستويات غير مسبوقة.
ويزيد من سوء الأوضاع الاقتصادية في البلاد، أزمة سياسية تحول دون تأليف حكومة جديدة منذ 11 شهراً، ما ساهم في مزيد من الانهيار بمختلف القطاعات.
مشاركة الخبر: "طرق الموت".. أحدث شظايا الأزمة اللبنانية على وسائل التواصل من نيوز فور مي