محاولة اغتيال البرهان.. من يقف وراءها وما تأثيرها على فرص السلام؟
فتحت محاولة اغتيال رئيس مجلس السيادة السوداني قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان الباب أمام جملة من التساؤلات، لعل أبرزها حول الجهة التي تقف وراءها وأهدافها، ومدى تأثير كل ذلك على الوضع وفرص السلام.
وقعت محاولة الاغتيال، اليوم الأربعاء، بمدينة جبيت (شرق) التي تضم واحداً من أشهر وأكبر مراكز التدريب والتأهيل داخل الجيش السوداني والمعروفة بطبيعتها الجبلية، والواقعة على بعد نحو 100 كيلومتر من مدينة بورتسودان العاصمة الإدارية الجديدة للبلاد.
حضر البرهان حفلا عسكريا لتخريج مئات الضباط الجدد من الكلية الحربية، وهو الحفل الذي اعتادت القوات المسلحة تنظيمه سنويا بحضور أسر الضباط المتخرجين، وبدا لافتا منذ البداية، أن البرهان حضر بلبس العمليات العسكرية حاملا سلاحه على كتفه وهو مشهد لم يتكرر إلا في الأشهر الأولى للحرب حينما كان موجودا داخل مقر القيادة العامة للجيش بوسط الخرطوم، فيما اعتاد قادة الجيش بمن فيهم البرهان حضور المناسبة بالزي الرسمي المرصع بالأوسمة والنياشين. لم يمر وقت طويل على بداية الاحتفال حتى سمع الحضور صوت الطائرتين المسيرتين، ثم سمعوا دوي انفجار في المكان، تمكنت بعده حراسة البرهان من إجلائه، فيما حدثت فوضى تخللها هروب المواطنين من المكان، ليخرج الجيش بعدها ببيان، قال فيه إن الحادثة خلفت خمسة من القتلى من بينهم ضابط برتبة عقيد، كما جرح آخرون. وأشار البيان إلى أن المضادات الأرضية تصدت للمسيرتين، في حين تشير معلومات أخرى لارتفاع عدد القتلى بعد ذلك.
وفي وقت لاحق ومع حالة الصدمة العامة، ظهر البرهان متجولا في مستشفى مدينة جبيت وسوقها، وسط استقبال من حشود من أهالي المنطقة، وسرعان ما أعلن مجلس السيادة عن خطاب للبرهان أمام الضباط الجدد لاستكمال حفل التخرج، ولم يعلق البرهان بخطابه كثيرا على الحادثة، وتعهد بعدم وضع السلاح إلا بعد تنظيف البلاد من أي متمرد ومرتزق، على حد قوله.
وكان البرهان قد تعرض لحادث مماثل في اليوم الأول من اندلاع الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في 15 إبريل/نيسان من العام الماضي، حينما اقتحمت وحدات من المليشيا التي يقودها محمد حمدان دقلو مقر إقامته داخل قيادة الجيش، واضطر الرجل في ذلك اليوم لحمل السلاح وخوض المعركة مباشرة. وفي تلك الحادثة قتل أكثر من 30 فردا من أفراد حراسته الخاصة قبل أن يتلاشى الخطر الذي هدد حياته.
وأكد البرهان، الأربعاء، أن "المعركة مستمرة مع العدو"، وتعهد بعدم التراجع أو الاستسلام، وعدم التفاوض، وفي ذات الوقت جدد ترحيبه بأي مفاوضات سلام بشرط استيعابها كل القطاعات الشعبية وحركات الكفاح المسلح المشاركة في المعركة، مع اشتراطه باعتراف أي وسيط بحكومة السودان وسيادتها على أراضيه، وتطبيق "الدعم السريع" ما تم الاتفاق عليه في مفاوضات جدة، بالخروج من منازل المواطنين.
وكان لافتاً في خطاب البرهان وبيان الجيش، عدم توجيه اتهام واضح وصريح لأي جهة بالتورط في حادثة جبيت، بما ذلك قوات الدعم السريع التي تجنبت من جانبها تبني الحادثة واكتفت بالصمت وعدم إصدار بيان على عكس ما كانت تفعل بمرات سابقة. وربما أراد الجيش على وجه التحديد الصمت عن توجيه اتهام علني انتظارا لنتائج التحقيق. وربط كثيرون بين محاولة اغتيال البرهان والدعوة الأميركية لطرفي الحرب للمشاركة في جولات تفاوض مباشر بسويسرا والسعودية، بهدف الوصول لاتفاق لوقف إطلاق النار والسماح بعبور المساعدات الإنسانية وحماية المدنيين، وهي الدعوة التي لم يعط الجيش فيها رأيا قاطعا، بينما رحبت بها دون تحفظ قوات الدعم السريع. ويرى البعض، أن في الحادثة رسالة للبرهان بعدم الذهاب للتفاوض، وعكس من ذلك رأى آخرون أنها وسيلة من وسائل الضغط عليه للذهاب لجنيف.
"محاولة لقتل البرهان"
وقال النائب البرلماني السابق أحمد الطيب المكابرابي لـ"العربي الجديد"، إن مليشيا الدعم السريع أعلنت من اليوم الأول للحرب، أنها تسعى لقتل البرهان، مشيرا إلى أن محاولة اليوم الفاشلة سبقتها عدة محاولات، بما فيها عبر مسيرات هاجمت قبل أيام مدينة الدامر بولاية نهر النيل. وبين النائب أن المليشيا تصر على تنفيذ مخططها بمساعدة دول توفر لها المعلومات والأسلحة النوعية والدعم الفني لتشغيلها، وأن الدولة السودانية وقيادة الجيش تعرف كل تلك التفاصيل، وتعلم أيضا أن الدعوة للسلام ووقف إطلاق النار ليست أهدافا حقيقية للمليشيا ولا غايات تسعى لها تلك الدول والمنظمات التي ترغب في رعاية المفاوضات.
وأضاف المكابرابي أن رد فعل الدول الراعية والوسيطة وصمتها وعدم إدانتها محاولة الاغتيال حتى اللحظة، دليل على أن غايتها ليست وقف إطلاق النار وتحقيق السلام في البلاد.
من جهته، اعتبر كمال بولاد، عضو الأمانة العامة لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية، وهو أكبر تحالف مناهض للحرب، أن الحادثة هي إحدى مضاعفات الحرب، "وستزيد الواقع الحربي والسياسي المعقد تعقيدا"، كونها حدثت فى منطقة جبيت بولاية البحر الأحمر التي تحولت مركزا للسلطة والجيش عقب الحرب، إضافة إلى كونها منطقه عسكرية هامة، مشيرا إلى أن "أهم دلالات الحادثة هي أنها تستهدف قائد الجيش فى وقت تتجه فيه الأنظار لرؤية وفدي الجيش والدعم السريع فى قاعة مفاوضات جنيف لإيقاف الحرب وإنقاذ الأرواح من المجاعة الحادة، وهو أمر يتمناه تقريبا كل سوداني ذاق مرارة الحرب". وأضاف في حديث لـ"العربي الجديد": "إلا التيار الداعم للحرب وسط الاسلامويين وهو تيار يتعامل مع الحرب باعتبارها واحدة من أوراقه السياسية للضغط نحو العودة إلى السلطة مهما كانت خسائر السودانيين من الأنفس والأرواح أو من البنية التحتية التى تدمرت وأرجعت البلاد عقودا للوراء".
وتابع بولاد: "من أي جهة جاءت المسيرتان ومهما كانت الدوافع، فيجب النظر إلى الأهم، وهو إيقاف الحرب التي لا طائل منها والعودة إلى التفاوض وتجنيب السودانيين مزيدا من إراقة الدماء، والاستماع لصوت الضمير الإنساني".
من جانبه، رفض عثمان عبد الرحمن سليمان، الناطق الرسمي باسم حركة تماذج، إحدى الحركات الموقعة على اتفاق سلام مع الحكومة 2020، نسب حادثة جبيت للدعم السريع، وأرجعها إلى وجود خلافات داخلية. وقال إن محاولة الاغتيال ستؤثر على سير الترتيبات الجارية للجمع بين الجيش وقوات الدعم في سويسرا برعاية أميركية وربما تؤخر قبول الجيش بالمشاركة في المفاوضات. واعتبر سليمان في حديث لـ"العربي الجديد"، أن الهدف الأساسي من الحادثة هو عرقلة التفاوض، مضيفا أن "الموافقة لن تكتمل إلا إذا اتخذ البرهان قرارا شجاعا، يتخلص به من نفوذ الحركة الإسلامية، إحدى أذرع النظام السابق داخل الجيش". وتوقع سليمان، فرض المجتمع الدولي عقوبات وقيودا على الجماعات التي تضع العراقيل أمام نجاح وقف إطلاق النار والعملية السياسية.
من جهته، قال الطاهر ساتي رئيس تحرير صحيفة "اليوم التالي"، إن الحادثة ليست محاولة اغتيال للبرهان فقط، بل وصولا لولايات كانت آمنة مثل ولاية البحر الأحمر، وهى من أكثر الولايات أمنا بدليل نقل مقر الحكومة مؤقتا لمدينة بورتسودان، مشيرا إلى أن وصول تلك المسيرات من أي مكان إلى المنطقة يعكس أن كل السودان الآن في دائرة الخطر. وأضاف: "إذا كانت الحكومة عاجزة عن تأمين مقرها فما بالك بالولايات الأخرى المتاخمة لولايات تنتشر فيها مليشيا الدعم السريع".
واعتبر ساتي أن مليشيا الدعم السريع أول المستفيدين مما جرى، "لأن الحادث حقق لها هدفا إعلاميا كبيرا جدا لا يتحقق لها بسهولة، حتى وإن لم ينته باغتيال البرهان، كما أكدت المليشيا من خلال الحادث، قدرتها على الوصول لأي مكان، ووضعت رسالة في بريد الكل أن ليس هناك منطقة آمنة في السودان".
وتابع قائلاً إن "أهم رسالة وصلت لبريد البرهان، هي أنك لست في آمان ولست بعيدا عن مرمى نيران المليشيا كرئيس للمجلس السيادي وكقائد للقوات المسلحة، ورسالة أخرى للجيش مفادها أنه ليس هناك ولاية آمنة ونحن موجودون"، معرباً عن أمله في استيعاب البرهان لتلك الرسائل والتعامل معها بالقضاء على المليشيا عسكريا أو سياسيا.
مشاركة الخبر: محاولة اغتيال البرهان.. من يقف وراءها وما تأثيرها على فرص السلام؟ على وسائل التواصل من نيوز فور مي