أزمة أدعياء الثقافة ورهاناتهم المريضة
من يتصدر اليوم مهام المناطقية والطائفية والعرقية هم الكثير من المثقفين بنوازعهم التي تستهدف وطنا وحياة، وتخلق مناخات خصومة شديدة لمجرد رأي أو كلمة عابرة يشتغلون عليها، ويوسعون معناها، ويتقاطرون زرافاتا ووحدانا لينالوا من أمرئ طرح رأيه، أيا كان هذا الرأي تختلف أو تتفق معه. فحضوره القيمي كبير، لكنهم يديرون الظهر عن كل ذلك ليقدموا من اعماقهم ما يكتنزونه من حقد يطل عند أول فرصة سانحة، مهما صادقتهم، وداريتهم، واحترمتهم كمثقفين.
مازال البعض من هؤلاء لاهم له إلا أن يضعك في خانة التهمة التي تروق له كحالة نفسية مريضة، لا يشفع لك عنده نتاجك الفكري والثقافي، ولا حضورك الصادق كإنسان اثبتت المواقف مسئوليته. ومع ذلك يظل غرض الرماة من حالات ثقافية عليها تقع مسئولية إحضار الإحباط والتفنن فيه والتوحد عليه لجعله ظاهرة مخيفة.
مثل هؤلاء العاهات يطلقون سهامهم بطيش وبلا ضمير، حتى أنهم وقد اثبتت الأيام ذلك مجرد حالات مريضة فعلا، تغير من النجاح وتريده حكرا عليها ومن حولها بروح لا أخلاقية ونزوع الى الفرقة والانقسام عند أول فرصة سانحة. المثقف في بلادي لم يكبر بمستوى هذا الوطن والحاجة إلى مداوات جراحه، ولم يستطع التعايش مع الآخرين الا بروح منهزمة تصيب عدواها الآخرين.
المثقف مأزوم حقيقة يحاول أن يجر المجتمع الى ساحته المليئة بالكراهية. لم يشتغل مع الإنساني، ولا يقبل به، ولم يكن وفيا مع قيم الثقافة الاصيلة، أنه يتخذ من الثقافة وسيلة للتجريح والتشكيك والاتهام والعنف والإرهاب وخلخلة النسيج الاجتماعي… وبعد ئذ يشكو من وطن هو أول قاتليه.
المثقف لم يرتقي بعد الى مستوى من المسئولية التي تفرض عليه خلق ثقافة مؤنسنة، فاعلة، تستجيب لما هو مشترك إبداعي. ولم يستطع أن يكون بمستوى ما هو واجب عليه اليوم من التزام تجاه وطنه وأمته وهما يعيشان مأساة التشظي. مازال في حاضنة القرية والمذهبية، والبحث عن لغة ممجوجة يدعي منها وطنيته التي يجعلها حكرا عليه، وما عداه مقصي. المثقف اقصائي وبالذات المؤدلجون الفاشلون، وقد ثبت أنهم من غرزوا سكاكينهم في كل من يحاول أن يجعل هذا العالم هادئا ولو لحظة. المثقفون اللامنتمون الى الحياة، هم الإرهابيون، الإقصائيون الأكثر إدعاءا با الوطني، وقد كشفتهم أزمة الراهن وتداعياته على جيل يكترث للحقد، ويوزع نفسه على سلطات تدفع به إلى مواجهة كل مثمر خير.
المثقف أزمة وطن. يرتهن لشكوك تساوره، وظنون تداخله، وطموح متعثر يصيبه بكآبة يوزعها على الأنقياء. المثقف الدعي هكذا موزع بين سلطات الامس واليوم بما تمليه عليه من عناوين ظلال وتشرذم وانقسام ينفذها لتناغمها مع دواخله اللانقية. ثم يقول أنه حداثي. والآخرون هم الجحيم.
The post أزمة أدعياء الثقافة ورهاناتهم المريضة appeared first on بيس هورايزونس.
مشاركة الخبر: أزمة أدعياء الثقافة ورهاناتهم المريضة على وسائل التواصل من نيوز فور مي