قفزات اقتصادية غير نفطية
أصدرت وزارة المالية السعودية تقرير الأداء المالي والاقتصادي للنصف الأول من عام 2024، والذي أظهر تحقيق الاقتصاد السعودي لنتائج إيجابية رغم التحديات العالمية المستمرة. التقرير يكشف عن تطورات ملحوظة في الإيرادات والنفقات، مع تحقيق نمو ملحوظ في الأنشطة غير النفطية رغم التراجع في إنتاج النفط، مما يعكس النجاح المستمر لسياسات تنويع الاقتصاد ضمن إطار رؤية السعودية 2030.
تمكن الاقتصاد السعودي من تحقيق نمو قوي في القطاعات غير النفطية بنسبة 4.1%، مدعومًا بالاستهلاك الخاص والاستثمار الخاص، وهو ما يؤكد نجاح جهود المملكة في تقليل الاعتماد على النفط كمصدر رئيس للدخل. وتشير البيانات إلى أن القطاعات الناشئة مثل السياحة والتكنولوجيا شهدت تطورات ملحوظة، مدفوعة بسياسات حكومية تهدف إلى تعزيز الاستثمارات وتحقيق التنوع الاقتصادي. ومع ذلك، سجل الناتج المحلي الإجمالي انخفاضًا بنسبة 1.0% نتيجة لتراجع إنتاج النفط بنسبة 12.9%، وهو ما يعود إلى التخفيضات الطوعية للإنتاج التي تلتزم بها المملكة في إطار اتفاقيات "أوبك+" بهدف استقرار الأسواق العالمية. ورغم تأثير هذا القرار على الناتج المحلي على المدى القصير، فإن هذه الاستراتيجية تهدف إلى دعم الاقتصاد السعودي على المدى الطويل، من خلال الحفاظ على استقرار الأسعار في السوق العالمية.
من ناحية أخرى، سجلت الإيرادات الإجمالية للمملكة زيادة بنسبة 8.6% مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، لتصل إلى 647 مليار ريال. وقد ساهمت الأنشطة غير النفطية في هذه الزيادة، مع ارتفاع الإيرادات غير النفطية بنسبة 6.2%، ما يعكس تعافيًا اقتصاديًا ونموًا مستدامًا مدعومًا بالاستثمارات المحلية. وفي المقابل، ارتفعت النفقات بنسبة 11.7% لتصل إلى 675 مليار ريال، حيث واصلت الحكومة دعم المشاريع التنموية والاجتماعية. ورغم تسجيل عجز في الميزانية بلغ 28 مليار ريال خلال النصف الأول من العام، إلا أن هذا العجز يُعتبر تحت السيطرة، وتعتمد الحكومة على استراتيجيات مالية حكيمة لتحويل هذا العجز إلى أداة لتحقيق التنمية المستدامة، مع توقعات بتقليل العجز في النصف الثاني من العام بفضل الزيادة المتوقعة في الإيرادات النفطية.
شهد سوق العمل السعودي تحسنًا ملحوظًا، حيث انخفض معدل البطالة بين السعوديين إلى 7.1% مقارنة بـ8.5% في العام السابق. يعكس هذا التحسن نجاح البرامج الحكومية الرامية إلى زيادة توظيف السعوديين وتعزيز دور القطاع الخاص في توفير فرص العمل. ويسهم هذا الانخفاض في دعم الاستهلاك المحلي، مما يعزز النمو الاقتصادي بشكل عام. أما على صعيد التضخم، فقد استقر عند معدل 1.6%، ما يشير إلى قدرة الحكومة على الحفاظ على استقرار الأسعار في السوق المحلي وحماية القوة الشرائية للمواطنين. هذا الاستقرار يعزز الثقة في الاقتصاد السعودي ويوفر بيئة مواتية للاستثمار والنمو الاقتصادي.
مع دخول النصف الثاني من عام 2024، يتوقع أن يكون لارتفاع أسعار النفط، التي بلغت في المتوسط 83.8 دولارًا للبرميل خلال الأشهر الأخيرة، تأثير إيجابي على الاقتصاد السعودي. من المتوقع أن تسهم هذه الزيادة في تعزيز الإيرادات النفطية، مما قد يؤدي إلى تقليص العجز أو حتى تحقيق فائض مالي في الميزانية. إدارة قطاع النفط بكفاءة، جنبًا إلى جنب مع استغلال الموارد الطبيعية وتحقيق التوازن في الأسواق العالمية، تضع المملكة في موقف قوي يمكنها من مواصلة تمويل المشاريع الكبرى التي تشكل أساس رؤية السعودية 2030، مثل "مشروع نيوم" ومبادرات الطاقة المتجددة.
توضح نتائج النصف الأول من عام 2024 أن الاقتصاد السعودي يسير بخطى ثابتة نحو تحقيق أهداف رؤية 2030. النمو في القطاعات غير النفطية، التحسن في سوق العمل، وزيادة الإيرادات تؤكد أن المملكة تواصل تعزيز تنويع اقتصادها وتعمل على تقليل الاعتماد على النفط. ومع توقعات إيجابية لأسعار النفط في النصف الثاني من العام، يبدو أن الاقتصاد السعودي في طريقه لتحقيق استدامة مالية طويلة الأمد، مع الاستمرار في دعم النمو والتنمية على جميع المستويات. في ختام هذا التقرير، يبدو أن المملكة العربية السعودية قد أثبتت قدرتها على إدارة اقتصادها بفعالية عالية، مع تحقيق توازن بين استغلال مواردها الطبيعية وتعزيز التنمية الاقتصادية الداخلية، مما يعكس إدارة استراتيجية شاملة لاقتصاد مستدام ومتوازن.
وفي الختام، لا يسعنا إلا أن نتقدم بخالص الشكر والتقدير للقيادة الرشيدة، تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، -حفظه الله-، وسيدي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، -حفظه الله ورعاه-. فقد برهنت القيادة الحكيمة على قدرتها في توجيه دفة الاقتصاد السعودي نحو النمو والازدهار، رغم التحديات والصعوبات الاقتصادية العالمية. بفضل هذه الرؤية السديدة، استطاعت المملكة تحقيق إنجازات عظيمة، مع الحفاظ على استقرار الاقتصاد وتعزيزه في ظل رؤية 2030، مما يعد خطوة حاسمة نحو مستقبل اقتصادي أكثر استدامة وازدهاراً.
مشاركة الخبر: قفزات اقتصادية غير نفطية على وسائل التواصل من نيوز فور مي