إيلينا بلازا.. رقصاتٌ تُنذر بالخطر
من ثمانٍ وعشرين صورة فوتوغرافية صغيرة ومتوسّطة الحجم، التقطتها الفنّانة الإسبانية إيلينا بلازا بالأبيض والأسود، تحت الماء وخارجه، يتألّف معرض "رقصة الماء" المُقام حالياً في "مركز الفنون البصرية" بمدريد، ويتواصل بعد غدٍ الاثنين.
يمثّل الماء في المعرض خيطاً شفّافاً مشتركاً يمنح الحياة لجميع الأشكال والعناصر الموجودة داخل الصورة الفوتوغرافية وخارجها. لكنّ الحياة داخل الصورة مختلفة عمّا هي عليه في الخارج. في الداخل هي ليست سوى حركات، وإيماءات، والتواءات، وتموّجات وغيرها ممّا يعرفه الجسد الآدمي. إنّه الرقص حياةً.
هذا الرقص الآدمي يوازيه رقص آخر، هو رقص قناديل البحر؛ تلك المخلوقات التي تعيش في المحيطات والبحار منذ ملايين السنين، وتُعدّ من أقدم المخلوقات على وجه الأرض، إذ أذهلت بجمالها الأثيري وقدرتها على التكيّف العلماء والفنّانين على حدّ سواء. وقد تمكّنت الفنّانة الإسبانية من التقاط حركات تلك المخلوقات البحرية في جوهرها الأنقى والأكثر حساسية، حيث جعلت منها أبطالاً لصورها، لا سيما عندما تتشابك أجسادها الشفّافة والعائمة في رقصة باليه مائية، ما يخلق جاذبية خاصّة تدعو الزائر إلى الانغماس في عالمها الشفّاف والغنائي.
مقابل باليه الماء، ثمّة باليه آخر يرقص في الفضاء، هناك حيث جسد المرأة وجسد الرجل، يتشابكان، ويلتويان، ويتمايلان، وينحنيان، ويتقوّسان، ألماً أو فرحاً، طرباً أو تأوّهاً، حبّاً أو لعباً.
ينبّه المعرض إلى التغيُّر المناخي والتلوّث في البحار والمحيطات
بين رقصة القناديل المتوّجة في الماء، ورقصة الجسد الآدمي المتوّج في الفضاء، تبدو صور المعرض كأنّها كتل متتالية تتّخذ معنى سردياً محدّداً، لكنّ، مع ذلك، تحافظ كلُّ صورة على كينونتها الخاصّة كوحدة مستقلّة عن الأخرى، ضمن الفكرة العامّة التي يتناولها المعرض. إنّه اقتراح هدفه صوغ علاقة بصرية مع الحركة التي يمثّلها الجسد الإنساني، ومع الرقص المعاصر، ومع الطبيعة بما تُجسّده قناديل البحر.
وسواء في البحار والمحيطات أو في غيرها من الأماكن، يبدو الراقصون وقناديل البحر في الصور كأنّهم يترجمون تموّجات الماء ويلتقطون سيولته في كلِّ حركة أو وقفة، ثمّ يأتي الرقص ليكون اللغة التي تقول الماءَ والحركة. وهذه اللغة الحركية سترافقها موسيقى من خلال فيديو من أربع دقائق جرى إعداده خصّيصاً للمعرض.
إلى جانب هذه الصور الشعرية والمقارنات التي توحي بها، يحمل المعرض رسالة توعوية، إذ تشير بلازا إلى التغيُّر المناخي ومشكلات التلوّث التي تعاني منها البحار والمحيطات، وتؤدّي لارتفاع درجات الحرارة في البحر، وبالتالي انتشار هذه القناديل بشكل أكبر، وهو ما يشكّل تهديداً للتوازن البيئي. هذا التهديد تعرضه الفنانة من خلال توتّرات في الرقصات تُنذر في كثير من الأحيان بسقوط الجسد الآدمي واختفاء القناديل، في إشارة إلى خطر انتهاء الحياة في كوكبنا إن لم نحافظ عليه.
تعقد إيلينا بلازا، في مشروعها التصويري، حواراً بين راقصين يتحرّكون بتموّجات سحرية، في محاولة لخلق توازٍ خيالي بين هذه المخلوقات البحرية القديمة، التي تُسمّى أيضاً "دموع البحر"، وواحد من أُولى التعبيرات الفنّية في تاريخ البشرية: الرقص.
مشاركة الخبر: إيلينا بلازا.. رقصاتٌ تُنذر بالخطر على وسائل التواصل من نيوز فور مي