نظرة واقعية  الصراع السعودي الإيراني في حرب اليمن

نظرة واقعية : الصراع السعودي الإيراني في حرب اليمن

تم نشره منذُ 3 سنة،بتاريخ: 12-11-2020 م الساعة 07:07:49 الرابط الدائم: https://newsformy.com/news-338980.html في : أراء وكتابات    بواسطة المصدر : حيروت - مقالات

بقلم دكتور/  حسن زيد بن عقيل

طهران تحاول الانخراط في عملية وقف الحرب المأساوية في اليمن . وهناك تصريحات رسمية في هذا الصدد تشير إلى أن للإيرانيين مقترحات تقوم على احترام سيادة اليمن وسلامة أراضيه. لكن مدى جدية التواجد الإيراني في اليمن لم يتضح. ليس لدى إيران أسباب أو مخاوف تتعلق بحرب اليمن تستحق رداً قاسياً على الاستفزاز المسلح ضد الجمهورية اليمنية ، رغم ان عاصفة الحزم 2015 كانت مفاجأة غير سارة لطهران. جاءت في وقت تشهد إيران أزمة اقتصادية منهجية ناجمة عن العقوبات الأمريكية .

تخوض إيران العديد من الحروب بالوكالة ، من أفغانستان إلى العراق وسوريا ولبنان ، والتي كلفتها الكثير من الخسائر السياسية والموارد ، حروب تقوم على أسس أيديولوجية وصراع النفوذ  مع الكيان الإسرائيلي . لا شك أن طهران تريد توسيع دورها في جنوب الجزيرة العربية ، خاصة في مجال الحرب على الإرهاب ، ومنع المنطقة من أن تصبح نقطة انطلاق للعدوان عليها . تريد المشاركة في حل النزاع كوسيط بين السعودية (دول مجلس التعاون الخليجي) واليمن. إنها لا تريد تشكيل ميليشيات ، لأن ذلك سيكلف الكثير في السياسة الخارجية والموارد الاقتصادية في وقت يعاني فيه من أزمة اقتصادية خانقة.

عاصفة الحزم 2015 كانت مفاجأة لطهران ، ولم تكن متوقعة من حيث الحجم والقوة التي بدأت بها. التدخل السعودي في الشأن اليمني بدأ منذ تأسيس الدولة السعودية الحديثة. أفاد رئيس الجمهورية القاضي عبد الرحمن الإرياني في 1973  ان السعودية تخصص موازنات (مساعدات مالية) لشيوخ العشائر وقادة الأحزاب السياسية و تسلمها لهم مباشرة متجاهلة السلطة في صنعاء وهذا يعد انتهاكاً لسيادة الدولة ويساعد على تآكل الحكومة المركزية و يقسم البلاد إلى عدة مراكز قوة محلية. ونتيجة لذلك ، تنشأ خلافات وتوترات بين البلدين ، وتنتهي التهديدات اللفظية في كلا الاتجاهين بوساطة ونداء لاحترام الاخوة و الجوار ثم يتفرقون .

عاصفة الحزم 2015 ، قادة الصراع السعودي اليمني إلى مسار آخر ، بسبب دخول أطراف خارجية – الإمارات العربية المتحدة وفي مكان ما إلى جانبها إسرائيل. في هذه الحالة لا يمكن لطهران سوى التدخل ، لأن الصراع السعودي اليمني تحول إلى صراع أيديولوجي ، على غرار عدوان صدام حسين على إيران الخميني.

أوجه التشابه بين عدوان صدام حسين وعدوان دول التطبيع الخليجي على إيران

جذور الحربين واحد ، بدأ في أواخر عام 1949 . أعلن موشيه شاريت ، وزير خارجية إسرائيل ، أن بلاده كانت في حالة عزلة كاملة في الشرق الأوسط ، وأنه ليس لديه اعتراف أو اتصال بالدول المجاورة ، وأنه يجب الخروج من هذه العزلة. سعى الكيان الإسرائيلي إلى كسر العزلة التي تحيط به مع الدول غير العربية على أطراف الشرق الأوسط كخطوة أولى. أول من نفذ هذه السياسة كان روبن شيلو ، رئيس الموساد قبل عام 1952 ، الذي رأى أن تحالف الأطراف لم يكن مجرد استراتيجية سياسية ، بل رد فعل على انتشار أيديولوجية الحركة القومية العربية والناصرية في المنطقة . طور بن غوريون هذه الاستراتيجية ، مشيراً إلى أن منطقة الشرق الأوسط ليست عربية فقط ، فهناك إيرانيون وأتراك ويهود وأكراد ، وهم أكثر بكثير من العرب في المشرق العربي وغرب آسيا. لذلك ، لا يمكن الاعتماد على الخيار العسكري للقضاء على ملايين العرب ، ولكن من خلال التحالفات الإقليمية مع أعداء العرب . وقال إن التحالف مع الدول غير العربية يؤدي إلى فرض السلام وأن بلاده لا تستطيع إجبار جيرانها العرب على المصالحة معها ، ولا يوجد ما يقلل العداء بينهم وبين العرب وتحقيق السلام إذا لم يكن ذلك كسب المزيد من الأصدقاء الآسيويين والأفارقة.

وجد بن غوريون ما كان يبحث عنه في :

ــ إثيوبيا ، مرعوبة من سياسة عبد الناصر الليبرالية. الذي سعى لمنع ضم إريتريا والصومال إليها.

ــ تركيا ، التي تخشى العدو العربي على الجبهة الجنوبية ، تحتل تركيا لواء إسكندرونة من سوريا.

ــ إيران التي كانت في حالة ذعر بعد الثورة العراقية . ويخشى أي تحرك في الأحواز.

وجد بن غوريون أن السياسة الإيرانية أقرب إلى السياسة التي يريد تنفيذها ، لأن إيران لا تدخل في مواجهات مباشرة مع جيرانها العرب ، بل تعتمد على نفوذها في هذه الدول. وبما أن الولايات المتحدة  لها  تأثير على هذه الدول و هي أكثر قلقًا بشأن التغلغل السوفييتي في المنطقة . وضع  بن غوريون استراتيجيته وقدمها إلى الولايات المتحدة للحصول على دعم مالي وسياسي و طلب استخدام نفوذها للضغط على تركيا وإيران وإثيوبيا للتعاون معه ، لأن هذا التعاون له قوة لوقف المد الثوري القومي الناصري والتسلل السوفياتي في المنطقة. لا يشترط أن تكون هذه الإستراتيجية رسمية ، بل هدفها تبادل المساعدات السياسية والاقتصادية وغيرها بين هذه الدول ، وعلى الرغم من الاختلاف اللغوي والديني بين هذه الدول ، لكن يوحدها عدو مشترك هو العرب  . بعد موافقة الولايات المتحدة ، تمكن الكيان الإسرائيلي من إبرام اتفاق بين أجهزته الاستخباراتية وأجهزة المخابرات الإيرانية والتركية ، عُرفت باسم اتفاقية الرمح الثلاثي أو اتفاقية المحيطي ، وسميت باتفاقية الشبح في أواخر عام 1958. تم الكشف عن هذه الاتفاقية السرية بعد أن استولى الثوار الإيرانيون على السفارة الأمريكية في طهران في عام 1979.

بعد الثورة الإسلامية الإيرانية ، وفي يوليو 1980 ، أرسلت الولايات المتحدة بريجنسكي ، مستشار الأمن القومي إلى الملك حسين بن طلال ، و قدم له خطة مفصلة لتنفيذ انقلاب في إيران ضد الخميني . كان على الملك حسين إقناع صديقه الرئيس العراقي صدام حسين  بدعم الانقلاب في إيران. تمكنت القيادة الإيرانية من محاصرة قادة الانقلاب ووضع حد للانقلاب. بعد ذلك ، قامت إسرائيل بتفعيل ذراعها في دول الخليج العربي لدفع العراق إلى الحرب مع إيران.

لكن وزير الدفاع الإسرائيلي أرييل شارون قال لشبكة إن بي سي إن على إسرائيل وأمريكا “ترك نافذة صغيرة مفتوحة” مع إيران من أجل أي فرصة لعلاقات جيدة مع النظام الإيراني في المستقبل. أهم وأشهر ما في هذه النافذة فضيحة “إيران كونترا” التي اعترف بها الرئيس ريغان وقال ان لها ما يبررها: “بالنظر إلى الأهمية الاستراتيجية والتأثير لإيران في العالم الإسلامي ، اخترنا دراسة إمكانية إقامة علاقة أفضل بين بلدينا “. لكن القيادة الأمريكية الإسرائيلية تأكدت فيما بعد ان القضية الفلسطينية حاضرة بقوة في مبادئ الثورة الإيرانية في الخطاب والسلوك. ونتيجة لهذا الموقف الإيراني من القضية الفلسطينية اندلعت الحرب العراقية الإيرانية وكان صدام حسين وتهور و ثروة دول الخليج أدوات هذه الحرب.

دور الشيخ محمد بن زايد في حرب الخليج القادمة

للشيخ محمد بن زايد الفضل الأكبر في بناء الإمارات بعيداً عن الصراعات العديدة في العالم العربي . أصبحت بلاده إحدى عجائب المنطقة الاقتصادية ، مع توسع ناطحات السحاب ومراكز التسوق التي لا نهاية لها والمطارات المشهورة عالميًا. لكن في عام 2013 ، كان محمد بن زايد قلقًا للغاية بشأن مستقبل البلد الذي بناه. أطاح الربيع العربي بالعديد من الحكام المستبدين ، وصعد الإسلاميون السياسيون لملء الفراغ الأمني ، وانتشرت الميليشيات الجهادية في مصر وتونس وليبيا وسوريا ، كما كان تنظيم الدولة الإسلامية في تصاعد وفي أقل من عام غزا الحدود العراقية وسيطرت على مساحة بحجم بريطانيا العظمى . لم تفعل القوى الإقليمية الكثير لوقفه. في مقابل حشود جيوش الإخوان المسلمين السنية ، انحازت الجيوش الشيعية ضدهم وحدث انقسام طائفي كبير في المنطقة. علاوة على ذلك ، علم محمد بن زايد أن رئيس الولايات المتحدة كان مؤيدًا للربيع العربي وكان مصممًا أيضًا على مغادرة الشرق الأوسط . عندما رأى محمد بن زايد ما يحدث حوله صُدم.

في عام 2013 ، توصل محمد بن زايد إلى خطة طموحة للغاية لإعادة تشكيل مستقبل المنطقة. بدأ بتجنيد محمد بن سلمان ، ولي العهد السعودي ، كحليف وفي نواح كثيرة بن سلمان ربيبة محمد بن زايد. يبدو أن كلاهما يعتقد أن الخيار الوحيد في الشرق الأوسط هو قيام أنظمة أكثر قمعية. ولهذا السبب استثمر بن زايد الكثير من موارده فيما يمكن تسميته بالجهاد المضاد للاخوان المسلمين وأنشأ نظام مراقبة صارم وحديث في بلاده بحثًا عن أدنى رائحة للميول الإسلامية. ولهذا يعتبره البنتاغون حليفًا قويًا والبنتاغون يقارن الإمارات بأثينا وأسبرطة. لكن بعض المسؤولين ، مثل أوباما ، يرون أنه ممثل مارق خطير ، بينما يقول محللون ودبلوماسيون آخرون إنه متورط في صراعات عميقة لا يمكنهم السيطرة على عواقبها. لكن البعض يرى محمد بن زايد شخصية نادرة في الشرق الأوسط وزعيم علماني ذكي لديه مخطط من نوع ما لمستقبل المنطقة ولديه الموارد اللازمة لتنفيذه. لكن هجوم الطائرات الأمريكية بدون طيار الذي استشهد  فيه  سليماني وحليفه العراقي ، دفع هذا الحادث المنطقة إلى الاقتراب من الحرب ، حيث أطلق المرشد الأعلى تهديدات مروعة بالانتقام . من السابق لأوانه معرفة رد فعل طهران. لكن من المرجح أن يكون محمد بن زايد لاعباً رئيسياً في أي حرب مقبلة و سوف يلعب دوراً مشابهاً لصدام حسين . على الرغم من الإشارات الدبلوماسية التي يرسلها ، يقال إن لديه قناة عودة للتواصل مع القيادة الإيرانية مشكوك فيه.

استراتيجية بن زايد و اليمن في حرب الخليج القادمة

التحالف الأمريكي – الإسرائيلي استغل دولة العراق وصدام حسين وأموال الخليج في العدوان على الجمهورية الإسلامية الإيرانية ، وفي النهاية التقط فشل العدوان وظهرت ردود الفعل العكسية حيث امتدت قوى المقاومة الإسلامية من طهران إلى بغداد ودمشق إلى بيروت وغزة. هذه الجبهة بات من الصعب على التحالف الإسرائيلي الأمريكي ترويضها.

استمرت الانتكاسات والفشل في الاستراتيجية الإسرائيلية الأمريكية منذ الخمسينيات وحتى عدوان صدام حسين على إيران. يعود النجاح إلى حقيقة أن الدول العربية في الخمسينيات ، على الرغم من ضعفها العسكري ، كانت قوية داخليًا وكانت المجتمعات أكثر تماسكًا مما هي عليه الآن. لكن بعد الربيع العربي انهار العالم العربي ومنعته الصراعات الداخلية من العمل مع أعدائه الخارجيين ، وهو ما كانت دولة إسرائيل تصبوا إليه .

يتضح هنا أن استراتيجية الربيع العربي قد آتت أكلها في ظل الظروف الحالية ، حيث تمكنت إثيوبيا الآن من بناء سد النهضة لإلحاق أضرار جسيمة بحصة المياه في مصر ، بهدف الضغط على القاهرة لصالح تل أبيب.

وكذا تمكنت تركيا من احتلال أجزاء من سوريا بذريعة حماية حدودها. أما إيران بعد الثورة الإسلامية ، فقد أصبحت خارج إطار الإستراتيجية الإسرائيلية الأمريكية وأصبحت الحضن الدافئ لقوى المقاومة في العراق واليمن وسوريا وقطاع غزة ولبنان. أثار ذلك غضب الكيان الصهيوني ، فحاول استغلال القلق العربي الذي تركته حرب الخليج الأولى والثانية والفوضى والصراعات الطائفية التي عممها الربيع العربي في العالم العربي .

وللأسف فإن الوضع في الدول العربية بعد ثورات الربيع العربي قد اصبح مهيأً بالكامل لتنفيذ مخططات الكيان الصهيوني ، ونحن نشهد الآن رغم مرور أكثر من نصف قرن على إستراتيجية شد الأطراف (إثيوبيا وتركيا وإيران. ) ، التي بدأت تظهر مرة أخرى ، على الأرض .

بعد فشل الكيان الصهيوني على الجبهة الشمالية ، العراق – سوريا – لبنان تحول إلى الجبهة الجنوبية ، اليمن (جزيرة سقطرى) والجغرافيا اليمنية بشكل عام ، واستغل الموارد الاقتصادية والعسكرية لدول الخليج ، كورقة ضغط على إيران ، على أمل تحقيق مكاسب سياسية. وكما سبق و أشرت اعلاه ، تحول الصراع السعودي اليمني إلى مسارًا آخر إلى صراع أيديولوجي بين إيران والكيان الصهيوني ، بفضل أبوظبي – محمد بن زايد .

كاتب و محلل سياسي يمني

مشاركة الخبر: نظرة واقعية : الصراع السعودي الإيراني في حرب اليمن على وسائل التواصل من نيوز فور مي

local_library إقرأ أيضاً في آخر الأخبار

محمود عباس في تصريحات غاضبة سنعيد النظر في العلاقة مع أمريكا

محمود عباس في تصريحات غاضبة سنعيد النظر في العلاقة مع أمريكا

منذُ 36 دقائق

قال عباس إن السلطة الفلسطينية ستعيد النظر بالعلاقات الثنائية مع الولايات المتحدة بما يضمن حماية مصالح شعبنا وقضيتنا...

وزير الداخلية الفرنسي يزور المغرب غدا هذه ملفاته

وزير الداخلية الفرنسي يزور المغرب غدا هذه ملفاته

منذُ 36 دقائق

أعلنت وزارة الداخلية الفرنسية أن الوزير جيرالد دارمانان وبدعوة من نظيره المغربي عبد الوافي لفتيت يبدأ غدا الأحد زيارة...

هكذا فجر عناصر القسام جرافة إسرائيلية في دير البلح شاهد

هكذا فجر عناصر القسام جرافة إسرائيلية في دير البلح شاهد

منذُ 36 دقائق

تمكن مقاتلو القسام من تدمير جرافة عسكرية إسرائيلية في منطقة دير البلح وسط قطاع...

عباس يعيد تشكل لجنة الانتخابات المركزية رامي الحمدالله على رأسها

عباس يعيد تشكل لجنة الانتخابات المركزية رامي الحمدالله على رأسها

منذُ 36 دقائق

أصدر رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مرسوما بشأن إعادة تشكيل لجنة الانتخابات المركزية برئاسة رئيس الوزراء الأسبق...

تعرف إلى بلقاسم ساحلي زميل سابق لتبون يطمح إلى الجلوس مكانه
تعرف إلى بلقاسم ساحلي زميل سابق لتبون يطمح إلى الجلوس مكانه
منذُ 36 دقائق

أعلنت سبعة أحزاب سياسية جزائرية ترشيح الأمين العام للتحالف الوطني الجمهوري بلقاسم ساحلي لخوض انتخابات الرئاسة المقررة...

ثلاثة اشقاء يفارقون الحياة بسبب المبيدات السامة بمناطق سيطرة الحوثيين
ثلاثة اشقاء يفارقون الحياة بسبب المبيدات السامة بمناطق سيطرة الحوثيين
منذُ 36 دقائق

في مأساة جديدة تضاف إلى قائمة الفضائح المتصاعدة بشأن استخدام المليشيات الحوثية للمبيدات السامة في المناطق الواقعة تحت...

widgets إقراء أيضاً من حيروت - مقالات

قانون العدالة الحزبية 
أين تسينم يوم العيد بقلم فكري قاسم
تسريبات ظريف ومستقبل المنطقة
الإبتزاز الإلكتروني في اليمن  ما لك وما عليك