ملامح الإنسان "الكوروني"
1 - عند انتهاء أو تقلص إصابات جائحة "كورونا"، سوف يظل الإنسان في مشارق الأرض ومغاربها، إذا لم يكن نزقاً متهوراً؛ حذراً متردداً، وهو يمد يده للمصافحة أو خده للتقبيل، وإذا قبل ذلك، فإنه سوف يكون حريصاً على غسل أماكن التماس، في أقرب مكان للغسل، وسوف تحرص هذه الفئات، على عدم التخلي عن اصطحاب المطهرات في جيوبها ومحافظها ومكاتبها أو منشآتها الخاصة، لتطهير كل مقبل عليها. حتى المقاهي الكبيرة، العامرة بالمطاعم والمشروبات والشيش، سوف تتقلص؛ وسوف يكون التباعد في المقاعد من سماتها، أما مطاعمها فسوف تجد ألواناً من الوسوسة، قد تحد من الإقبال عليها، أما الشيشة فإنها ستكون من أشد الأمور تعقيداً، فلن يتم التسامح معها، لأن اللي والماء ناقلان للجراثيم كافة، التي كانت تعبر بسلام، قبل الجائحة. سوف تكون السوق في مقبل الأيام، للمقاهي الصغيرة، مجالس داخلية بكراسي فاخرة لغير المدخنين، ومجالس خارجية فقيرة للمدخنين وأحبابهم أو أصحابهم. لا خيار ولا فقوس!
2 - مناسبات الأفراح والليالي الملاح، سوف تكون موجودة ولكنها سوف تتقلص، بل إن عديداً من الأسر سوف تحيي مناسباتها في منازلها، وللأهل والأصدقاء والمعارف الخلص؛ الذين مروا بالتجربة أو تطعموا، أو أخذوا مناعة من الجائحة؛ حالة مثل هذه لن تنزل برداً وسلاماً، على أصحاب الفنادق والاستراحات وقصور الأفراح والمطابخ. سوف يعانون كثيراً. كان الله في عونهم، وهم يعمدون، رويداً رويداً، في التخلص من فائض العمالة، ومن المقرات الطويلة العريضة البازخة. الآن قصر الأفراح الذي كان "يشيل" ليلة المناسبة بأكلها وشربها بمئة ألف ريال، أصبح يكتفي بربع المبلغ، مع كامل الامتنان لمن طرقوا بابه، ولم يحيوا مناسبتهم في المنزل الخاص، توفيراً للتكاليف، وتقليصاً للمدعوين!
3 - الإنسان "الكوروني"، وبالتدريج، سوف يكون متوجساً من أنواع الورق كافة؛ وتبعاً لذلك سوف يتحاشى الصحيفة والمجلة، والمنشورات الورقية، التي تقذف من تحت أبواب المنازل والمكاتب والشركات، لكنه لن يقطع صلته بالسرعة نفسها بالكتاب الورقي، الذي أصبح، تشجيعاً لهذه الفئة، يعرض مغلفاً بالسلوفان، حتى لا يفض إلا بمعرفة مشتريه، بل إن بعض دور النشر، إمعاناً في الفذلكة، باتت تنوه بأن ورق الكتاب الذي بين أيدي القراء صديق للبيئة! بيئة من؟ الله وحده أعلم. هذا العزوف عن الورق، بات يقابله إقبال سريع على الألواح الإلكترونية، التي تطل منها أمور العالم والناس والحيوان والأشجار والحروب والأمراض بسرعة رهيبة، وعلى مدار اليوم وبأيسر الطرق، حتى أصبح الرضيع ينكب عليها ضاحكاً باكياً، ربما دون مساعدة!
4 - سوف تشهد الشهور أو السنوات المقبلة، تقليصاً في العمل من خلال المكاتب العامة، وسوف يتم التوسع في ممارسة الأعمال عن بعد، ما يترتب عليه تقليصاً للمكاتب وتوفيراً للطاقة وعمال النظافة والصيانة، وبالتالي وفرة في المباني، قد يترتب عليها كساد في أسواق العقارات. الحال في المكاتب قد تمتد إلى المنشآت التعليمية. هذه الحال سوف تفاقم من العزلة الإنسانية التي تجعلنا نراجع ما كنا نقوله، عن عزلة الإنسان في الغرب، وبؤسه، وغرقه في الأمراض، والمكيفات؛ وما يتبع ذلك من توسع في خدمات الصحة النفسية والعصبية؛ باختصار أزمة الإنسان سوف تتفاقم، كلما ابتعد عما يعرف بالحراك الاجتماعي العفوي، في المكاتب ودور العلم.
مشاركة الخبر: ملامح الإنسان "الكوروني" على وسائل التواصل من نيوز فور مي