مفكرة عابر حدود شهادة شخصية حول أوضاع المهاجرين

«مفكّرة عابِر حُدود»... شهادة شخصية حول أوضاع المهاجرين

تم نشره منذُ 3 سنة،بتاريخ: 07-01-2021 م الساعة 02:58:42 الرابط الدائم: https://newsformy.com/news-433694.html في : أخبار دولية    بواسطة المصدر : صحيفة الشرق الأوسط

الكاتب الألباني گازْميند كابْلاني يصدر ترجمة عربية لكتابه بعد ترجمتين إنجليزية وفرنسية

الخميس - 24 جمادى الأولى 1442 هـ - 07 يناير 2021 مـ رقم العدد [ 15381]

لاجئون تحت رحمة البحر

مراكش: عبد الكبير الميناوي

ضمن «ضَفيرَة» تجْمَعُ بين المحْكِي السّردي والمقال التأمّلي، يُقدِّم الكاتب الألباني گازْميند كابْلاني، في «مفكّرة عابِر حُدود... سجلّ وقائِع العُبور»، وقائعَ حَيّة من تجربتِه الشّخْصية وتجربة مُواطِنيه الألبان، الذين وجدوا أنفسَهم مضطرّين في لحظة ما من التاريخ المعاصر، إلى خوض هجرة جماعيّة خارج الحدود.
في ترجمته العربية للكتاب، التي تصدر قريباً عن دار «أثر» للنشر والتوزيع، يوسع المترجم المغربي أحمد الويزي من التجربة التي يتناولها مضمون كتاب كابْلاني لتشمل الضفة الجنوبية من البحر الأبيض المتوسط، بإهداء عمله «إلى جَميعِ مُهاجِري هذهِ الأمّة ومُهَجّريها، الّذين تحامتهمْ دوائرُ الأَوْطانِ القاسِيَّة، وأبعدتهم قسْراً خارجَ الحُدود؛ أُهْدي هذه الترْجَمَة».
فضلاً عن إهداء المترجم وتوطئة الكتاب وخاتمته، نكون مع 28 نصاً، تتوزع الكتاب بعناوين «لماذا تروي كلّ هذا؟»، و«أن تغادر الوطن معناه أن تقطع للصّلة مع ذاتك»، و«المهاجر والأمر المفروض تحت شعار: (يجب)»، و«بطل مثيرٌ للضّحك، تقريباً!»، و«لو كنتَ سائحاً!»، و«اجتياز الحدود سرّاً، مرّة وثانية وأخريات!»، و«سنتان على الحدود!»، و«أيام هادئة من شهر أغسطس»، و«جنس الحدود»، و«لا أحد طلب منك المجيء»، و«عاداتُ المهاجرِ السرّي الغريبة»، و«بوابة السّوق الممتازة»، و«الشغل والشغل ثمّ الشغل»، وغيرها.
ولأنّ الكتابَ يمثل «شهادة حيّة وصَكّ اتّهامٍ لأنْظِمَة كثيرة في الغرب والشّرق معاً»، فقد تلقّتْهُ، كما نقرأ على ظهر غلافه، الصحافة الأدبيّة بكثير من الإشادَة والتنويه، وقال عنه العديدُ من المُتتبّعين، منذ أنْ صدرت طبعته الفرنسيّة والإنجليزيّة، إنه «كتاب فريد من نوعه، يجمع بين مشاعر حسّاسة، ومواقف نقدية لاذعة أيضاً، لكنّه ينفصل عنها ليغوص في سرد سائغ» (لوموند)، يقودنا كاتبه في اتجاه حدودنا الخاصّة فيما «يرجّ الأفكار التي كوّناها عن أوروبا القرن الـ21 وعن الثمن الذي يضطر البعض منّا لتأديته، لأجل أن يعيش فيها» (الغارديان)، مازجاً بين عبث جورج مايكس في كتابه «كيف لا أكون إنجليزياً» وقوّة التأمل الفلسفي في كتابات ميلان كوينديرا (الإندبنْدنْت)، مقترحاً «مذكّرات شيّقة وذكيّة وباعثة على الضّحك، لكونها كُتِبَت حول الوضع الذي يعيشه المهاجر في كل مكان وزمان» (الناقدة ليزا أبينيانيزي)، يقوم فيه كاتبه بـ«تشريح وضعية المهاجر»، فيقدّم لنا من خلال ذلك، «صورتنا التي تعكسها المِرآة: وهي صورة ليست جميلة، بالكل!» (صحيفة لو ماتريكيل دي أونج).
يخبرنا الكاتب بأن علاقته «الإشكاليّة» مع الحدود، «بدأت منذُ وقتٍ جدّ مبكّر، منذُ فترة الشّباب»؛ ذلك لأنّ «الإصابة بمتلازمة الحدود من عدم الإصابة بها، إنّما تؤول في جزءٍ كبيرٍ منها إلى مسألة الحظِّ وحسب، ما دام أنَّ كلَّ شيءٍ يتوقّف على البلد الذي يولد فيه المرء وحسب، والحال أنّي وُلدتُ في ألبانيا!».
ثم تنتهي الحكاية «على نحو مباغت»، إذ بينما «أغلبُ حكاياتِ الحدود لا تجد لها في العادة نهاية، سواء منها تلك الحدود المرئيّة الفظيعة التي تُفرَض بسلطة الأنظمة الشموليّة، أو المخاتلة وغير المرئيّة التي نستبْطنُها، حين يُفرضُ علينا العيش ببلاد المهجر». فيما يخبرنا الكاتب بأنه يحلم بـ«عالم لا يصبح فيه أي غريب ولا نازح»، قبل أن يستدرك، مخاطباً قارئه، بالقول: «لكن، لا ينبغي أن تسيءَ الظنّ بما أقوله؛ فأنا أحبّ السّفر بكثرة، مثل أغلب الذين يعانون من متلازمة الحدود. إلا أنّك إذا لم تخرج قطّ من جلدتك، من جسدك ويأسك، فلن تُمكّن نفسَك أبداً من هذه المتلازمة. غير أنّي أريد من هؤلاء الذين يسافرون، أن يكونوا زوّاراً حقيقيين، أن يكونوا مسكونين بحبّ المعرفة، وبوهيميين نوعاً ما، سواء أكانوا سيّاحاً أو طلبةً أو مجرد ناس عاديين. أريدهم أن يضربوا في الأرض على شاكلة مَن ضلّ السّبيل، بحثاً عن فردوس ما، أو للعثور بالصّدفة عن إيطاكاه (إيطاكا جزيرة يونانية صغيرة اعتمدها هوميروس في «الأوديسا»). أودّ لو أنّ لا أحد يُجبَر كُرْهاً على السّفر، مثلما اضطرّ إليه من قبل الألمانُ والآيرلنديون والإيطاليون واليونانيون، ومثلما يضطرّ إليه اليومَ الألبان والأفغان والإيرانيون والصّوماليون والمكسيكيّون والعرب، وكثيرون غيرهم؛ لأنّ المرء حين يكون مهاجراً نازحاً عن وطنه، يعني أنّه يعيش تحديداً، وضعَ الهشاشة والضعف الكبيريْن. وهذا العالم لا يُكنّ للضّعفاء أي احترام. إنّهم يصبحون موضوعَ شكاوى وسباب، وليس موضوعَ تقدير واحترام أبداً».


مقتطفات من الكتاب


لستُ مولعاً بالحدود. وحتى أكون واضحاً وصريحاً بما يكفي، أضيفُ بأنّي لا أكرهُها أيضاً. أنا أتوجّسُ خيفة من الاضْطرابِ الّذي يتملّكني بسببها وحسب، كلّما وجَدْتُني معَها وجهاً لوجْه. أمّا الحدودُ التي أتحدَّثُ عنها هنا، فهي أولاً المرْئيّة: بمعنى تلكَ الأطرافُ الجغرافيّة الفاصِلة بين البلدان والدّول. وإذا صار عبورُ هذه التخوم شأناً مُتيسّراً لي اليوم على نحْوٍ جدّ كبيرٍ، فإنّي ما زلتُ إلى الآن أشعُرُ حيالَها مع ذلك بإحساسٍ غريبٍ، كلّما وجدت نفسي أعبر منها واحدة؛ وهو الإحساسُ الذي يتَضافرُ فيه الشّعورُ بالخَلاص، بمزيجٍ من التضايُق. وقد يَؤولُ هذا ربّما إلى طبيعة الجواز الّذي بحوْزَتي، إذْ تعوّدتُ على أنْ تنظُرَ إليَّ الحدودُ منذ ذلك حين سابق، رغم ما حصَل لي بعده، نظرة شكٍّ وارتيابٍ؛ فأرتجف حين ألمحها، ثمّ أُعجّلُ بالعبور، لشعوري بأنّها ما تنفكُّ تقْدَحُني دوماً بنظرة عدائيّة مريبة. ومهما صنعتُ، ومهما بذلتُ ما بوسعي كلّه لأُطَمْئنَها، وأُقْنعَها بألاَّ تخشى منّي أي شيءٍ، إلاّ أنّها تجدُ دوْماً مبرّراً للضّغط عليّ، أو لتتجنّب على الأقلّ التعاملَ معي تعاملَ الندِّ للندّ. لذا، لم أجدْ أي صعوبة في وَسْم العلّة التي أُعاني منها منذُ فترة طويلة، باسم: مُتلازمة الحُدود. بعْد سنواتِ عُزْلة طويلَة، بقيَتْ أثناءَها ألبانيا ترْزحُ تحْتَ نَيْر نِظامٍ شّمولي قاهِر، ينْهارُ جدارُ بِرْلينَ بغتة، فيجِدُ كثيرٌ من الشّبابِ والكُهولِ أنفسَهم يخوضون رحلة اجتياحٍ غريبَة للحُدود، التي ظلّت إلى عهد قريبٍ تخوماً محظورة على الجميع تفْصِلُ الدّاخل عن العالم الخارجي، وتجعل من البلاد مجرد قلْعَة اعتقالٍ رهيبَة. ولأنّ الألبانَ لم يكونوا يعرفون أي شيءٍ عن «الغرب» القريب منهم، وإنّما ظلّ أملُهم مُنشدّاً فقط، وهم يندفعون نحو اليونان، إلى أرض هُلامِيّة تَصَوّروها فردوساً يطْفح بمظاهر النّعيمِ والرّفاه ورغَد العيش، إلى جانب ما يثير الغرائز والشّهوات، ويحفّز العديدين على خَوْض المخاطرة بجسارة؛ فإنّ الجميعَ عاشَ صدمة اللّقاء المفْجِع، لأنّ الأرض الموْعودَة لم تستقبل مَن نجا من هؤلاء، الاستقبالَ الذي شدّ ما حلمتْ به مخيلاتُهم السّاذجة. ففي الغرب، لم يجد أي ألباني نازحٍ النّساءَ بتَنّوراتٍ قصيرة ينتظِرْنَه، ليطبَعْن على خدّهِ قُبلاتِ النّصر، ويتوّجْنَه بطلاً على رأسه يوضعُ إكليلُ الغار. كما لم يجد أي ألباني نازحٍ أعْيانَ المدينة، يَشُدّون على يدِه، ويقولون في حقّه كلمة فيها تنْويهٌ وتشْريفٌ واعْتراف. لا أثر لأي شيْءٍ على الضِّفَة الغربيّة سوى جنودٍ، ورجالِ أمْن بهراوات ووجوه متجهّمة قاسية، وأغْيَار بأفواه يَرْطِنون بكلام غير مفهوم، إلى جانب بَرْد يُجمّد العِظام، وجوعٍ يفْتِكُ بالبُطون.
لكن، لا ينبغي أن تسيءَ الظنّ بما أقوله؛ فأنا أحبّ السّفر بكثرة، مثل أغلب الذين يعانون من متلازمة الحدود. إلا أنّك إذا لم تخرج قطّ من جلدتك، من جسدك ويأسك، فلن تُمكّن نفسَك أبداً من هذه المتلازمة. غير أنّي أريد من هؤلاء الذين يسافرون، أن يكونوا زوّاراً حقيقيين، أن يكونوا مسكونين بحبّ المعرفة، وبوهيميين نوعاً ما، سواء أكانوا سيّاحاً أو طلبة أو مجرد ناس عاديين. أريدهم أن يضربوا في الأرض على شاكلة مَن ضلّ السّبيل، بحثاً عن فردوس ما، أو للعثور بالصّدفة عن إيطاكاه (إيطاكا جزيرة يونانية صغيرة اعتمدها هوميروس في «الأوديسا»). أودّ لو أنّ لا أحد يُجبَر كُرْها على السّفر، مثلما اضطرّ إليه من قبل الألمانُ والآيرلنديون والإيطاليون واليونانيون، ومثلما يضطرّ إليه اليومَ الألبان والأفغان والإيرانيون والصّوماليون والمكسيكيّون والعرب، وكثيرون غيرهم؛ لأنّ المرء حين يكون مهاجراً نازحاً عن وطنه، يعني أنّه يعيش تحديداً، وضعَ الهشاشة والضعف الكبيريْن. وهذا العالم لا يُكنّ للضّعفاء أي احترام. إنّهم يصبحون موضوعَ شكاوى وسباب، وليس موضوعَ تقدير واحترام أبداً».


مشاركة الخبر: «مفكّرة عابِر حُدود»... شهادة شخصية حول أوضاع المهاجرين على وسائل التواصل من نيوز فور مي

local_library إقرأ أيضاً في آخر الأخبار

عفش المنزل والأثاث الخشبي التصميم والجمال في التفاصيل

عفش المنزل والأثاث الخشبي التصميم والجمال في التفاصيل

منذُ 6 دقائق

يعتبر عفش المنزل والأثاث الخشبي من العناصر الأساسية التي تضفي الدفء والأناقة على المساحات الداخلية إن استخدام الأثاث...

رئيسا وزراء مصر والأردن يوقعان محضر اجتماعات الدورة الـ ٣٢ للجنة العليا المصرية الأردنية المشتركة

رئيسا وزراء مصر والأردن يوقعان محضر اجتماعات الدورة الـ ٣٢ للجنة العلي...

منذُ 6 دقائق

اختتمت الدورة الثانية والثلاثين من اللجنة العليا المصرية الأردنية المشتركة أعمالها اليوم بمقر الحكومة بالعاصمة...

أجهزة المطبخ وأدواته الأساس لتحضير وجبات شهية

أجهزة المطبخ وأدواته الأساس لتحضير وجبات شهية

منذُ 6 دقائق

تعتبر أجهزة مطبخ وأدواته أساسية في كل منزل حيث تلعب دورا حيويا في إعداد وجبات شهية وتوفير وقت وجهد المرأة المنزلية في...

تجديد ترخيص مطار الاقصر الدولي لثلاث سنوات

تجديد ترخيص مطار الاقصر الدولي لثلاث سنوات

منذُ 6 دقائق

جددت سلطة الطيران المدنى المصرى شهادة ترخيص مطار الاقصر الدولى للعمل كمطار دولى لمدة ٣ أعوام حتى عام ٢٠٢٦ وذلك وفقا...

الأجهزة الكهربائية واستخداماتها في المنزل وأهميتها
الأجهزة الكهربائية واستخداماتها في المنزل وأهميتها
منذُ 6 دقائق

تعتبر الأجهزة الكهربائية جزءا أساسيا من حياة الناس في العصر الحديث فهي توفر لنا العديد من الفوائد والراحة في حياتنا...

كواليس فيلم السرب يكشفها مؤلفه عمر عبد الحليم في حوار خاص لـسيدتي
كواليس فيلم السرب يكشفها مؤلفه عمر عبد الحليم في حوار خاص لـسيدتي
منذُ 6 دقائق

كواليس فيلم السرب يكشفها مؤلفه عمر عبد الحليم في حوار خاص...

widgets إقراء أيضاً من صحيفة الشرق الأوسط

السعودية تحبط تهريب 12 مليون قرص إمفيتامين و297 كغم من الحشيش
غضب لبناني بعد مقتل لقمان سليم وأصابع الاتهام تشير إلى حزب الله
رؤية السعودية 2030 تفكك تراكمات الاقتصاد الريعي
نتفليكس تبدأ اليوم عرض مسلسل ما وراء الطبيعة