الحمار أكل الخروف
لأيام الصبا ذكريات لا يمكن أن تبرح أو تغادر الذاكرة، وما أكثر الذكريات التي تلازم المرء طيلة حياته، منها الجميل، ومنها الصعب، ومنها العادي، وربما المضحك. ومن المضحكات التي أذكرها أننا كنا مجموعة شبان من الأصدقاء والأقارب اتخذنا مخيماً عند روضة "الخويبية" وكان الوقت ربيعاً، والأرض مكسوة بالعشب والنباتات المختلفة، وكانت الأرض لا تخلو من الإبل والمواشي والحمير الهاملة، وكانت هذه الحمير -أعزكم الله- تطوف حول المخيمات تأكل ما تجده من بقايا الأكل والفاكهة، وأذكر أن مجموعة من الشبان كانوا يسكنون حولنا، وقد ربطوا خروفاً وراء خيمتهم لغدائهم في اليوم التالي، وكانوا قد سهروا طويلاً للعب وغناء السامري ولم يناموا إلا عند مطلع الفجر، وحينما استيقظوا وقت الضحى لم يجدوا من خروفهم إلا رأسه وأرجله، وكان أحدهم قد رآه قبل زملائه، ورأى الحمار حوله، فأخذ يصيح: يا شباب.. يا شباب قوموا.. قوموا.. الحمار أكل الخروف. فاستيقظوا وتواثبوا حول خروفهم الذي لم يبقَ منه سوى أشلائه..! واتجه بعضهم إلى الحمار وهم يطاردونه ويضربونه ويكيلون له الشتائم، بل إن البعض منهم من شدة الغيظ أخذوا يطاردونه بالسيارة، غير أن واحداً منهم لحق بهم وهو يصيح وينادي: اتركوا الحمار يا مجانين، الحمار لا يأكل الأغنام، والذئب هو الذي افترس خروفكم، وتعالوا انظروا معي وشاهدوا، فلما جاؤوا ووقفوا بجانبه أراهم جرة وآثار أرجل الذئب وقد افترس الخروف وأخذ يسحبه، فصار بعضهم ينظر إلى بعض في حيرة وقلق وأسف.
تلك من الذكريات التي تجعل لرحلات البر معنى وفائدة، حيث يتعلم الشبان شيئاً من القسوة والشجاعة وروح المغامرة..
أما اليوم فيذهب الكثيرون بسيارات مكيفة، وينامون على فرش وثيرة ومترفة، وربما اصطحبوا معهم طباخاً يجهز طعامهم.. وتراهم ينامون حتى أذان الظهر، وعندما يعودون إلى المدينة يقولون: استمتعنا بالبر بس والله تعبنا!!
مشاركة الخبر: الحمار أكل الخروف على وسائل التواصل من نيوز فور مي