الرياح الأفريقية الساخنة

الرياح الأفريقية الساخنة

تم نشره منذُ 3 سنة،بتاريخ: 05-07-2021 م الساعة 12:31:13 الرابط الدائم: https://newsformy.com/news-696157.html في : أخبار دولية    بواسطة المصدر : صحيفة الشرق الأوسط

لا غرابة أن ينشغل العالم بالذكرى المئوية لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني. وليس بسيطاً أن يطفئ حزب ماو تسي تونغ هذه الشمعة وهو في الحكم على رغم أن القرن الذي انقضى طحن الكثير من الإمبراطوريات والأنظمة والأفكار والأحزاب. وانشغال العالم مفهوم وطبيعي. إننا نتحدث عن دولة نجحت في إزاحة اليابان من موقع الاقتصاد الثاني في العالم واحتلته على أمل الانتقال إلى الموقع الأول. ثم إننا نتحدث عن حزب يبلغ عدد أعضائه 93 مليون عضو أي ما يفوق عدد سكان دولة مثل ألمانيا. يضاف إلى ذلك أن الأمر يتعلق بدولة يطلق عليها كثيرون لقب «مصنع العالم» وهي تسمية تثير القلق في بعض الدول الغربية لأنها تنذر بتحول الحاجة إلى الصين أمراً يومياً حتى في الدول الغربية الكبرى وذلك بسبب سلاسل التوريد.
واضح أننا سنمضي السنوات المقبلة على وقع الأرقام الآسيوي وما تثيره من آمال لدى البعض ومخاوف لدى البعض الآخر. وهناك من يعتقد أن الغرب لا يملك حلاً لمشكلة الصعود الصيني. ويرون أن لجم الطموحات الكبرى للبلد الذي يعادل سكانه عدد سكان قارة قد يستلزم الرهان على عملاق آسيوي آخر هو الهند. ويلاحظ هؤلاء أن الهند تملك عدداً من أوراق القوة التي تمتلكها الصين وبينها الكثافة السكانية والتقدم التكنولوجي والجيش العملاق. ويعتبر هؤلاء أن ضخ الدعم الغربي في عروق العملاق الهندي قد يساعده على تشكيل معادل أو شبه معادل لهذا الانتشار الصيني على «طريق الحرير».
كنت أتابع سيل التحليلات حول «الهدير الآسيوي» و«العصر الصيني» حين لفتتني مشاهد وأخبار وافدة من القارة السمراء تفيد بأن الرياح الأفريقية لن تتأخر هي الأخرى في الهبوب وترك آثارها واضحة على استقرار العالم واقتصاده. أول المشاهد هي تلك الصور التي تنقل أحياناً عن غرق قوارب تحمل اللاجئين الفارين من كابوس الحروب والفقر وانسداد الآفاق. وقد تكرر المشهد كثيراً قبالة السواحل الليبية والتونسية. وثمة روايات مؤلمة عن رحلات محفوفة بالمخاطر والإهانات يقدم عليها أفارقة يحلمون بإلقاء أنفسهم في بلاد يمكن العثور فيها على ثلاث وجبات وفرصة عمل وعناية صحية. وتكشف الروايات أن قراصنة البحر أشد هولاً من قراصنة البر وأن بعض السماسرة يحشرون المهاجرين في مراكب متهالكة مرشحة للغرق قبل بلوغ الميناء المقصود.
ويعتقد الخبراء أننا أمام ظاهرة مرشحة للتفاقم لا للتراجع. وعلى رغم تسجيل بعض النجاحات في هذا المكان أو ذاك من القارة السمراء فإن الاتجاه الغالب هو فشل الدول في توفير الاحتياجات اللازمة لإعادة إطلاق آمال مواطنيها بالمستقبل وهو ما يدفعهم إلى هجرات داخلية وخارجية ترخي بثقلها على الوضع الاقتصادي والأمني والسياسي. وبسبب التزايد السكاني السريع يتوقع كثيرون أن تشهد العقود المقبلة أمواجاً غير عادية من الهجرة خصوصاً أن تزايد الحاجات يفوق تزايد الإمكانيات.
ويتزايد الكلام عن أن القارة الأفريقية ستشهد في منتصف القرن الحالي انفجاراً ديموغرافياً يجعل منها حاضنة لربع سكان العالم وأن عدد سكان دولة مثل نيجيريا سيصل إلى حدود 400 مليون شخص. أما أرقام نهاية القرن الحالي فتبدو أشد صعوبة إذ تتحدث عن وصول عدد سكان القارة السمراء إلى أكثر من أربعة مليارات نسمة. وكانت دراسة لمنظمة «اليونيسيف» التي تعنى بالأطفال أشارت إلى أن نصف أطفال العالم سيكونون أفارقة في عام 2100.
تذكرت الرياح الأفريقية أيضاً وأنا أشاهد الصور التي وزعتها «جبهة تحرير شعب تيغراي» لآلاف الجنود الإثيوبيين الأسرى. وترافقت الصور مع إشارات من الجبهة نفسها إلى أن الإقليم قد يبحث عن مستقبله خارج الجمهورية الإثيوبية ملمحة إلى مسؤولية السياسات التي انتهجها رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد. واضح أن القوات الحكومية التي حظيت أيضاً بدعم إريتري ارتكبت ممارسات فظة خلال اجتياحها الإقليم وهو ما كشف عمق الكراهيات الكامنة داخل هذا المجتمع المتعدد الأعراق.
تطرح مشكلة إقليم تيغراي سؤالاً صعباً عما إذا كنا سنشهد مزيداً من التعثر والفشل لتجارب التعايش في القارة الأفريقية. فالتعدد العرقي والديني واللغوي الموجود داخل الخريطة الإثيوبية موجود داخل خرائط أخرى وهو سرعان ما يعبر عن نفسه في صورة انفجارات دموية فور تراجع القبضة الحديدية للحكم المركزي. تعيد المتاعب الإثيوبية الحالية إلى الأذهان صور الانفجار اليوغوسلافي والطلاق الذي استلزم مجازر مروعة.
تصدع تجارب التعايش وعجز الدول التي ينخرها الفساد عن بناء مؤسسات حقيقية تقود عملية التنمية وتكافح الفقر لا يؤدي فقط إلى تعزيز رياح الهجرة بل يوفر الأرضية أيضاً لولادة الميليشيات المسلحة والمجموعات الإرهابية. والأنباء الوافدة من دول الساحل والصحراء تشير إلى تحرك خلايا لـ«القاعدة» و«داعش» و«بوكو حرام» وأشباهها. وإذا أخذنا في الاعتبار تراجع رغبة الولايات المتحدة في الانخراط ميدانياً في ساحات مكافحة الإرهاب وتخوف فرنسا من الغرق في تلك الساحات، نجد أنفسنا أمام دول هشة تحاول التصدي لمجموعات إرهابية وإجرامية عابرة للخرائط.
القارة التي كانت تشكو من طمع الأطراف الخارجية بمناجمها وثرواتها لا تستطيع اليوم إنكار فشل كثير من دولها في ضبط الصراعات ووضعها تحت سقف القانون الدولي ومبادئ حسن الجوار وتوازن المصالح. تقدم أزمة «سد النهضة» نموذجاً لنزاعات أفريقية يمكن أن تشتعل بسبب المياه أو ثروات أخرى إذا غابت السياسات العاقلة. وهناك من يخشى من أن تؤدي انتكاسة القوات الحكومية الإثيوبية في إقليم تيغراي إلى دفع آبي أحمد نحو التشدد في موضوع «سد النهضة» وهو أمر أعلنت مصر صراحة أنها لا تستطيع التنازل فيه. ولعل الاشتباكات السودانية - الإثيوبية الأخيرة في منطقة الحدود مجرد إشارة إلى احتمال اندلاع حريق واسع.
الرياح الأفريقية الساخنة تعنينا سواء اتخذت شكل أمواج من الهجرة أم انتشار للإرهاب أم تصدع تجارب التعايش. هكذا صار على العرب الاستعداد لرياح ساخنة تهب من جهات كثيرة ما يحتم سياسات رشيدة وجريئة تساعد في صيانة الخرائط وتجدد الأمل بأيام أفضل.


مشاركة الخبر: الرياح الأفريقية الساخنة على وسائل التواصل من نيوز فور مي

local_library إقرأ أيضاً في آخر الأخبار

صدر حديثا أوضاع العالم 2023 لن يكون العالم كما كان

صدر حديثا أوضاع العالم 2023 لن يكون العالم كما كان

منذُ 14 ساعة

صدر حديثا عن مؤسسة الفكر العربى كتاب أوضاع العالم 2023 لن يكون العالم كما كان المصدراليوم السابعصدر حديثا أوضاع العالم 2023...

أفضل 100 كتاب فى القرن الحادى والعشرين بعيدا عن الشجرة

أفضل 100 كتاب فى القرن الحادى والعشرين بعيدا عن الشجرة

منذُ 14 ساعة

اختارت نيويورك تايمز كتاب بعيدا عن الشجرة كأحد أفضل الكتب فى القرن الحادى والعشرين المصدراليوم السابعأفضل 100 كتاب فى...

حكاية من التاريخ استقالة سعد زغلول بعد إنذار بريطانى لحكومته

حكاية من التاريخ استقالة سعد زغلول بعد إنذار بريطانى لحكومته

منذُ 14 ساعة

تمر اليوم ذكرى توجيه المندوب السامى البريطانى أدموند اللنبى إنذارا لحكومة سعد باشا زغلول المصدراليوم السابعحكاية من...

فوز دار الشروق الأردنية بجائزة عبد العزيز المنصور لأفضل ناشر عربى

فوز دار الشروق الأردنية بجائزة عبد العزيز المنصور لأفضل ناشر عربى

منذُ 14 ساعة

فازت دار الشروق الأردنية الفلسطينية للنشر والتوزيع بجائزة عبد العزيز المنصور لأفضل ناشر عربى فى دورتها السادسة...

القصة الكاملة لاستغاثة ابنه منير فهيم بسبب تزوير أعمال والدها
القصة الكاملة لاستغاثة ابنه منير فهيم بسبب تزوير أعمال والدها
منذُ 14 ساعة

كشف الناقد التشكيلى صلاح بيصار عن محتال يدعى قرابته للفنان منير فهيم ويزور أعماله عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل...

5 مشروبات تمنحك عظاما أقوى لو عندك نقص فى الكالسيوم إنفوجراف
5 مشروبات تمنحك عظاما أقوى لو عندك نقص فى الكالسيوم إنفوجراف
منذُ 14 ساعة

الكالسيوم ضرورى للحفاظ على قوة العظام والأسنان والصحة العامة ومع ذلك أصبح نقص الكالسيوم شائعا بشكل متزايد بسبب...

widgets إقراء أيضاً من صحيفة الشرق الأوسط

لبنان مئات الأصناف من الأدوية على وشك النفاد
مذكرات نيرودا الكاملة حين يتفوق الشاعر على الإنسان
انفجارات في أكبر قاعدة عسكرية لـالتحالف الدولي في سوريا
مطاعم بيروت في مواجهة الدولار وكورونا والسياسة