المياه والسلام في اليمن
محمد الحريبي
تبرز قضية المياه إلى الواجهة مجددًا في بلدٍ يعاني من مآسي مركبة، تضاعفت مع استمرار الحرب للعام السابع على التوالي، خاصة وأن اليمن تعاني من شحة في المياه، دفعت مراكز الأبحاث المتخصصة للتركيز على هذه القضية والإشارة إلى "الحاجة المتزايدة للتعامل مع أزمة المياه المتفاقمة التي لا تقتصر فقط على التوفر المادي للمياه، وإنما تتعدى ذلك إلى جودة المياه وإمكانية الوصول إليها والقدرة على تحمل تكاليفها" كما تقول دراسة للمركز اليمني للسياسات.
إن أزمة المياه الحادة والتي تتصاعد بشكل يومي، هي مؤشر الخطر المستقبلي الأبرز، مع استمرار التجاهل الرسمي لها وغياب البرامج الفاعلة التي يمكنها الاسهام في حل هذه القضية، لكن المفارقة الأهم اليوم هي أن المياه طريقًا سهلًا لبناء السلام في اليمن.
وبالعودة إلى دراسة المركز اليمني للسياسات؛ التي تقول: "إذا لم تعالج جذور مشكلة المياه بشكل فعال، فإن من شأنها أن تؤدي إلى زعزعة استقرار البلد. فشحة المياه كانت ولازالت، في واقع الأمر، مصدرًا للصراعات القبلية الصغيرة في مناطق ريفية مختلفة من البلاد"، وهو ما يدعم نظرية أن العمل على حل أزمة المياه من شأنه أن يسهم بشكل مباشر في عمليات بناء السلام في البلد.
وأعيد هنا التذكير بالوساطة المحلية التي قادها ناشطون محليون في إطار مشروع نفذته مؤسسة شباب سبأ للتنمية في مدينة تعز، والتي نجحت في استعادة خزانات المؤسسة العامة للمياه في المدينة من أيدي قوات عسكرية كانت تسيطر عليها منذ بداية الصراع.
إن أهم ما يمكن التركيز عليه عند ذكر هذه الوساطة المحلية هو إمكانية نجاح جهود بناء السلام من خلال العمل على حل قضية المياه، خاصة في حال شكلت وساطة محلية لإقناع الحوثيين بضخ المياه إلى المدينة التي يستخدمون في حصارها قطع إمدادات المياه كعقاب جماعي على السكان، وهو الأمر الذي أكدته دراسة المركز.
وبحسب الدراسة "فإنّ في اجتماع معاناة الأهالي من شحة المياه مع غياب حكومة مركزية قوية ما قد يشكل تهديدات كبيرة للسلام المستدام"، وهو الأمر الذي يعيد للواجهة خارطة الجهود المحلية المتمثلة في وساطات عدة أسهمت في حل نزاعات مجتمعية على المياه رغم تأثيرات الصراع المتواصلة على البنية المجتمعية.
وفي الحقيقة فإنّ ما تشير إليه الدراسة من ارتباط وثيق بين أزمة المياه وانعدام الاستقرار، يتطلب بالفعل تدخلا عاجلا من قبل الجهات الفاعلة المحلية والإقليمية والدولية المستثمرة في بناء السلام في اليمن.
وتعود إلى الأذهان بالتأكيد الإحصائيات المرعبة للمخزون المائي في البلاد وقصص النزاعات القبلية المتكررة التي شهدتها مناطق مختلفة طوال السنوات الماضية، وفي شهادة حديثة يمكنني تدوينها هنا، فإن نزاعًا محليًا نعايشه، بشكل شبه يومي، بين المدنيين في الأحياء السكنية، على خلفية تفاوت حصص المياه التي يحصلون عليها من المنظمات الإغاثية.
في الأخير تقول دراسة المركز اليمني للسياسات إنَّ "على القيادات في كل المستويات أنْ تدرك أنّ أزمة المياه في اليمن ليست مجرد قضية بيئية، وإنما هي، في الوقت نفسه، قضية ذات أبعاد سياسية واجتماعية متأصلة. إن الحلول لإدارة أزمة المياه موجودة، لكنها تتطلب إرادة سياسية قوية وعملًا جماعيًا لتنفيذها"، وهو الأمر الذي أتفق معه تمامًا كباحث مطلع على قضايا المياه في مدينة تعز.
مشاركة الخبر: المياه والسلام في اليمن على وسائل التواصل من نيوز فور مي