«سوق العمل.. وفن التكيف»
استضافت العاصمة الرياض نهاية هذا الأسبوع مؤتمراً استثنائياً، يمهد الطريق أمام إعادة تشكيل سوق العمل الدولية، فالمؤتمر الذي نظمته وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، يأتي في ظل ظروف عصيبة تئن فيها سوق الوظائف من متغيرات مفاجئة، ويكفى الإشارة هنا إلى المخاوف المتنامية من ثورة الذكاء الاصطناعي التي باتت جاهزة لقلب سوق العمل رأساًعلى عقب، عبر الإطاحة بحوالي 300 مليون وظيفة بحلول عام 2030، وعندها سيصبح ملايين الموظفون مجبرون على تغيير مسارهم الوظيفي، إلا أن الأمر ليس قاتماً تماماً، فالذكاء الاصطناعي سيضيف نحو 20 تريليون دولار للاقتصاد العالمي، فيما سيتم استبدال الوظائف المفقودة بأخرى جديدة وبرواتب فلكية، ولكن، ما لم تستعد الحكومات والشركات والموظفون التقليديون للثورة الصناعية الرابعة، فإن العواقب ستكون وخيمة على سوق العمل، أحد أقوى مؤشرات الاقتصاد العالمي.
من هنا، تكمن أهمية المؤتمر الدولي لسوق العمل في الرياض، إذ يعتبر منصة ضرورية للتنسيق الدولي بشأن مواجهة الاضطرابات المتوقعة في سوق العمل خلال سنوات قليلة، خاصة، وأن غول البطالة العالمي يزحف على الضفة الأخرى، وعلى سبيل المثال، فإن معدل البطالة في ستة من دول مجموعة السبع الصناعية الكبرى يقترب من أدنى مستوياته خلال قرن، فيما يسجل معدل البطالة في الولايات المتحدة والبالغ 3.8 % أدنى مستوياته منذ عام 1969، وبينما تصل بعض الاقتصادات إلى التوظيف الكامل، وتنتعش فيها أسواق العمل بكفاءة، تواجه أخرى ظروفاً معاكسة وأكثر قسوة، فقد غيرت الجائحة من بيئة سوق العمل، والمعاناة تتضاعف في الدول النامية، وبخاصة في أفريقيا، حيث تشهد جنوب أفريقيا أعلى معدلات البطالة في العالم، عند 35.6 ٪، وهذا يعني أن التباطؤ الاقتصادي، وقوانين العمل الصارمة، تعرقل نمو التوظيف.
لا يجادل أحد في خطورة إطلاق يد الذكاء الاصطناعي في سوق العمل، إلا أن السؤال الأبرز هو: كيف نتصرف؟.. الحقيقة أن جوهر الحل يكمن في وضع قوانين ملزمة تجبر الشركات على عدم الإضرار بسوق العمل والحفاظ على حقوق العمال، ولا أعتقد أن ازدهار الذكاء الاصطناعي سيؤدي إلى بطالة جماعية، ولكننا قد نشهد اضطرابات واسعة النطاق، حيث تنخفض أجور بعض الوظائف، وترتفع أجور وظائف أخرى، وهنا سيتحول الطلب إلى أنواع مختلفة من المهارات، وسيتعين إعادة هيكلة قطاع التوظيف، المنقسم بين فائزين وخاسرين، وستكون هناك وظائف يمكن نسيانها بكل سهولة، ولا شك أن ثورة الذكاء الاصطناعي تخلق حاجة ملحة للتحرك من أجل مساعدة سوق العمل على التكيف، لأن الابتكار التكنولوجي، حتى وإن أدى إلى إزاحة العمال، إلا أنه يساعدهم على الأمد البعيد، والدليل على ذلك، أن 60 % من وظائف العمال اليوم لم تكن موجودة قبل 80 عاماً، وهذا يعني أن نمو الوظائف هو نتيجة مباشرة للإبداع التكنولوجي.
ومن أجل إتقان التكيف مع سوق العمل الجديدة، يتعين إعادة تدريب وتأهيل الموظفين على الاقتصاد القائم على الذكاء الاصطناعي، حيث يمكن محاكاة التجارب العالمية، ومنها نموذج سنغافورة، حيث يمنح العمال هناك 500 دولار سنوياً للاشتراك في حوالي 24 ألف دورة تدريبية، بدءاً من علم البيانات الضخمة وصولاً إلى الأعمال التجارية، ويستفيد من هذه البرامج سنوياً أكثر من 660 ألف عامل سنغافوري، مما رفع من معدل الإنتاجية بنحو 3 % سنوياً، ويجب أن تتكامل سياسات التدريب على المهارات الجديدة في سوق العمل في القطاع العام، مع القطاع الخاص، ومن أجل تفادي عقبة تمويل هذه البرامج من القطاع الخاص، يمكن تحفيز الشركات على إعادة تدريب موظفيها عبر تفعيل الإعفاءات الضريبية، مثلما تفعل الولايات المتحدة، فهذه الإعفاءات تشجع الشركات على الاستثمار في الموظفين من أجل ضمان التأقلم مع ثورة سوق العمل.
مشاركة الخبر: «سوق العمل.. وفن التكيف» على وسائل التواصل من نيوز فور مي